دفعا للمحذور المذكور وهم ؛ لأن معنى «على» الاسمية : «فوق» ، ومعنى «عن» الاسمية : «جانب» ، ولا يتأتّيان هنا ، ولأن ذلك لا يتأتّى مع «إلى» ، لأنها لا تكون اسما.
الثامن : وقوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) [البقرة : ٢٧٣] فإن المتبادر تعلّق «من» بـ «أغنياء» لمجاورته له ، ويفسده أنهم متى ظنّهم ظانّ قد استغنوا من تعفّفهم علم أنهم فقراء من المال ؛ فلا يكون جاهلا بحالهم ، وإنما هي متعلقة بـ «يحسب» ، وهي للتعليل.
التاسع : قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا) [البقرة : ٢٤٦] ، فإن المتبادر تعلّق «إذ» بفعل الرؤية ، ويفسده أنه لم ينته علمه أو نظره إليهم في ذلك الوقت ، وإنما العامل مضاف محذوف ، أي : ألم تر إلى قصّتهم أو خبرهم ، إذ التعجّب إنما هو من ذلك ، لا من ذواتهم.
العاشر : قوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) [البقرة : ٢٤٩] ، فإن المتبادر تعلّق الاستثناء بالجملة الثانية ، وذلك فاسد ، لاقتضائه أن من اغترف غرفة بيده ليس منه ، وليس كذلك ، بل ذلك مباح لهم ، وإنما هو مستثنى من الأولى ؛ ووهم أبو البقاء في تجويزه كونه مستثنّى من الثانية ؛ وإنما سهل الفصل بالجملة الثانية لأنها مفهومة من الأولى المفصولة ، لأنه إذا ذكر أن الشّارب ليس منه اقتضى مفهومه أن من لم يطعمه منه ، فكان الفصل به كلا فصل.
الحادى عشر : قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، فإن المتبادر تعلّق «إلى» بـ «اغسلوا» ، وقد ردّه بعضهم بأن ما قبل الغاية لا بدّ أن يتكرر قبل الوصول إليها ، تقول : «ضربته إلى أن مات» ويمتنع «قتلته إلى أن أمات» ، وغسل اليد لا يتكرر قبل الوصول إلى المرفق ، لأن «اليد» شاملة لرؤوس الأنامل والمناكب وما بينهما ؛ قال : فالصواب تعلّق «إلى» بـ «أسقطوا» محذوفا ، ويستفاد من ذلك دخول المرافق في الغسل ، لأن الإسقاط قام الإجماع على أنه ليس من الأنامل ، بل من المناكب ، وقد انتهى إلى المرافق ، والغالب أن ما بعد إلى أن يكون غير داخل ، بخلاف «حتّى» ، وإذا لم يدخل في الإسقاط بقي داخلا في المأمور بغسله.
وقال بعضهم : الأيدي في عرف الشرع اسم للأكفّ فقط ، بدليل آيةالسّرقة ؛ وقد صحّ الخبر باقتصاره صلىاللهعليهوسلم في التيمّم على مسح الكفين ، فكان ذلك تفسيرا للمراد بالأيدي في آيةالتيمم. قال : وعلى هذا فـ «إلى» غاية للغسل ، لا للإسقاط ؛ قلت : وهذا إن سلّم