فلا بد من تقدير محذوف أيضا ، أي : ومدّوا الغسل إلى المرافق ، إذ لا يكون غسل ما وراء الكف غاية لغسل الكف.
الثاني عشر : قول ابن دريد [من الرجز] :
٦٩٩ ـ إنّ امرأ القيس جرى إلى مدى |
|
فاعتاقه حمامه دون المدى (١) |
فإن المتبادر تعلق «إلى» بـ «جرى» ، ولو كان كذلك لكان الجري قد انتهى إلى ذلك المدى ، وذلك مناقض لقوله :
فاعتاقه حمامه دون المدى
وإنما «إلى مدى» متعلّق بكون خاصّ منصوب على الحال ، أي : طالبا إلى مدى ، ونظيره قوله أيضا يصف الحاج [من الرجز] :
٧٠٠ ـ ينوي الّتي فضّلها ربّ العلى |
|
لمّا دحا تربتها على البنى (٢) |
فإن قوله : «على البنى» متعلق بأبعد الفعلين ، وهو «فضّل» ، لا بأقربهما وهو «دحا» بمعنى : بسط ، لفساد المعنى.
الثالث عشر : ما حكاه بعضهم من أنه سمع شيخا يعرب لتلميذه (قَيِّماً) من قوله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) [الكهف : ١ ـ ٢] صفة لـ «عوجا» ، قال : فقلت له : يا هذا كيف يكون العوج قيما؟ وترحّمت على من وقف من القرّاء على ألف التنوين في (عِوَجاً) وقفة لطيفة دفعا لهذا التوهم ؛ وإنما (قَيِّماً) حال : إما من اسم محذوف هو وعامله ، أي : أنزله قيما ؛ وإمّا من «الكتاب» ؛ وجملة النفي معطوفة على الأول ومعترضة على الثاني ، قالوا : ولا تكون معطوفة ، لئلا يلزم العطف على الصلة قبل كمالها ؛ وإما من الضمير المجرور باللام إذا أعيد إلى «الكتاب» لا إلى مجرور «على» ؛ أو جملة النفي «وقيما» حالان من «الكتاب» ، على أن الحال يتعدّد ؛ وقياس قول الفارسي في الخبر إنه لا يتعدّد مختلفا بالإفراد والجملة أن يكون الحال كذلك. لا يقال : قد صحّ ذلك في النعت ، نحو : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [الأنبياء : ٥٠] ، بل قد ثبت في الحال في نحو : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ثم قال سبحانه (وَلا جُنُباً) [النساء : ٤٣] ، لأن الحال بالخبر أشبه ، ومن ثمّ اختلف في تعددهما ، واتفق على تعدّد النعت ؛ وأما (جُنُباً)
__________________
(١) البيت من الرجز ، وهو لابن دريد في ديوانه ص ١١٧ ، وتاج العروس مادة (دون).
(٢) البيت من الرجز ، وهو لابن دريد في ديوانه ص ١٢٠.