وأما قول بعضهم في قراءة ابن محيصن (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] : إن الأصل : أن يتمّوا بالجمع فحسن ؛ لأن الجمع على معنى «من» مثل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ) [يونس : ٤٢] ولكن أظهر منه قول الجماعة : إنه قد جاء على إهمال «أن» الناصبة حملا على أختها «ما» المصدرية.
السابع : قول بعضهم في قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) [آل عمران : ١٢٠] فيمن قرأ بتشديد الراء وضمّها : إنه على حد قوله [من الرجز] :
٧١٧ ـ [يا أقرع بن حابس يا أقرع] |
|
إنّك إن يصرع أخوك تصرع (١) |
فخرج القراءة المتواترة على شيء لا يجوز إلا في الشعر ، والصواب أنه مجزوم ، وأن الضمّة إتباع كالضمّة في قولك : «لم يشدّ» و «لم يردّ» ، وقوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة : ١٠٥] إذا قدّر (لا يَضُرُّكُمْ) جوابا لاسم الفعل ، فإن قدّر استئنافا فالضمّة إعراب ، بل قد امتنع الزمخشريّ من تخريج التنزيل على رفع الجواب مع مضيّ فعل الشّرط ، فقال في قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) [آل عمران : ٣٠] : لا يجوز أن تكون «ما» شرطية لرفع «تودّ» ، هذا مع تصريحه في المفصّل بجواز الوجهين في نحو : «إن قام زيد أقوم» ، ولكنه لمّا رأى الرفع مرجوحا لم يستسهل تخريج القراءة المتّفق عليها عليه. يوضح لك هذا أنه جوّز ذلك في قراءة شاذّة مع كون فعل الشرط مضارعا ، وذلك على تأويله بالماضي ، فقال قرىء (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] برفع «يدرك» ؛ فقيل : هو على حذف الفاء ؛ ويجوز أن يقال : إنه محمول على ما يقع موقعه ، وهو : أينما كنتم ، كما حمل «ولا ناعب» في قوله [من الطويل] :
٧١٨ ـ [مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة] |
|
ولا ناعب [إلّا ببين غرابها](٢) |
على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين» ، وهو : ليسوا بمصلحين ؛ وقد يرى كثير من الناس قول الزمخشري في هذه المواضع متناقضا ، والصواب ما بيّنت لك ، قال : ويجوز أن يتّصل بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة : ٢٧٩ ، النساء : ٧٧] ا ه ، وقد مضى ردّه.
الثامن : قول ابن حبيب : إن (بِسْمِ اللهِ) [الفاتحة : ١] خبر ، و (الْحَمْدُ)
__________________
(١) البيت من بحر الرجز ، وفي الجمل في النحو ص ٢١٨ ، وشرح ابن عقيل ٤ / ٣٦.
(٢) تقدم تخريجه.