بليس» قد يردّ بأنها لا تدلّ على الحدث عند من قال في أخواتها إنها تدلّ عليه ، ولأن فيه فصلا بين أفعل وتمييزه بالأجنبيّ ، وقد يجاب بأن الظّرف يتعلّق بالوهم ، وفي «ليس» رائحة قولك : انتفى ، وبأن فصل التمييز قد جاء في الضرورة في قوله [من المتقارب] :
٧٣٦ ـ على أنّني بعد ما قد مضى |
|
ثلاثون للهجر حولا كميلا (١) |
و «أفعل» أقوى في العمل من «ثلاثون».
ومن الوهم في الثاني قول مكي في قراءة ابن أبي عبلة (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] بالنصب : إن (قَلْبُهُ) تمييز ، والصواب أنّه مشبه بالمفعول به كـ «حسن وجهه» ، أو بدل من اسم «إن». وقول الخليل والأخفش والمازني في «إياي» و «إيّاك» ، و «إياه» : إن «إيّا» ضمير أضيف إلى ضمير ؛ فحكموا للضمير بالحكم الذي لا يكون إلا للنكرات وهو الإضافة ؛ وقول بعضهم في «لا إله إلا الله» إن اسم الله تعالى خبر «لا» التبرئة ، ويردّه أنها لا تعمل إلا في نكرة منفيّة ، واسم الله تعالى معرفة موجبة ؛ نعم يصحّ أن يقال : إنه خبر لـ «لا» مع اسمها ، فإنّهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه ؛ وزعم أن المركبّة لا تعمل في الخبر ، لضعفها بالتركيب عن أن تعمل فيما تباعد منها وهو الخبر ، كذا قال ابن مالك.
والذي عندي أن سيبويه يرى أن المركّبة لا تعمل في الاسم أيضا ؛ لأن جزء الشيء لا يعمل فيه ، وأما «لا رجل ظريفا» بالنصب فإنه عند سيبويه مثل «يا زيد الفاضل» بالرّفع ؛ وكذا البحث في «لا إله إلا هو» للتعريف والإيجاب أيضا ، وفي «لا إله إلا إله واحد» للإيجاب ؛ وإذا قيل : «لا مستحقا للعبادة إلا إله واحد ، أو إلا الله» لم يتّجه الاعتذار المتقدّم ، لأن «لا» في ذلك عاملة في الاسم والخبر لعدم التّركيب. وزعم الأكثرون أن المرتفع بعد «إلا» في ذلك كله بدل من محلّ اسم «لا» ، كما في قولك : «ما جاءني من أحد إلّا زيد». ويشكل على ذلك أن البدل لا يصلح هنا لحلوله محلّ الأول ، وقد يجاب بأنه بدل من الاسم مع «لا» ، فإنهما كالشّيء الواحد ، ويصحّ أن يخلفهما ، ولكن يذكر الخبر ، حينئذ ، فيقال : «الله موجود». وقيل : هو بدل من ضمير الخبر المحذوف ، ولم يتكلّم الزّمخشريّ في كشّافه على المسألة اكتفاء بتأليف مفرد له فيها ، وزعم فيه أن الأصل «الله إله» المعرفة مبتدأ ، والنكرة خبر ، على القاعدة ، ثم قدّم الخبر ، ثم أدخل النفي على
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣٦ ، وأساس البلاغة ص ٣٩٨ مادة / كمل / ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٩ ، والدرر ٤ / ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٨.