(آخران) في (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) [المائدة : ١٠٧] الآية ، لوصفهما بيقومان ، وكذا قال بعضهم في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) [النساء : ٣٦ ـ ٣٧].
ومن ذلك قول الزمخشري في (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) [سبأ : ٤٦] : إن (أَنْ تَقُومُوا) عطف بيان على «واحدة» ؛ وفي (مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] : إنه عطف بيان على (آياتٌ بَيِّناتٌ) [آل عمران : ٩٧] ، مع اتّفاق النحويين على أن البيان والمبّين لا يتخالفان تعريفا وتنكيرا ، وقد يكون عبّر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما ؛ ويؤيّده قوله في (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) [الطلاق : ٦] : إن (مِنْ وُجْدِكُمْ) عطف بيان لقوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) وتفسير له ؛ قال : و «من» : تبعيضيّة حذف مبعضها ، أي : أسكنوهنّ مكانا من مساكنكم مما تطيقون ، ا ه. وإنما يريد البدل لأن الخافض لا يعاد إلا معه ، وهذا إمام الصناعة سيبويه يسمّي التوكيد صفة ، وعطف البيان صفة كما مرّ.
النوع الثالث : اشتراطهم في بعض ما التعريف شرطه تعريفا خاصّا ، كمنع الصرف اشترطوا له تعريف العلمية أو شبهه ، كما في «أجمع» ، وكنعت الإشارة و «أيّ» في النداء ، اشترطوا لهما تعريف اللام الجنسية ، وكذا تعريف فاعلي «نعم» و «بئس» ، ولكنها تكون مباشرة له أو لما أضيف إليه ، بخلاف ما تقدّم فشرطها المباشرة له.
ومن الوهم في ذلك قول الزمخشري في قراءة أبي ابن عبلة (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤) [ص : ٦٤] بنصب «تخاصم» : إنه صفة للإشارة ؛ وقد مضى أن جماعة من المحقّقين اشترطوا في نعت الإشارة اشتقاق كما اشترطوه في غيره من النعوت ، ولا يكون التخاصم أيضا عطف بيان ، لأن البيان يشبه الصفة ، فكما لا توصف الإشارة إلّا بما فيه «أل» كذلك ما يعطف عليها ؛ ولهذا منع أبو الفتح في (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] في قراءة ابن مسعود برفع (شَيْخاً) كون (بَعْلِي) عطف بيان ، وأوجب كونه خبرا ، و «شيخ» : إما خبر ثان ، أو خبر لمحذوف ، أو بدل من «بعلي» ، أو «بعلي» بدل و «شيخ» الخبر ؛ ونظير منع أبي الفتح ما ذكرنا منع ابن السيّد في كتاب المسائل والأجوبة وابن مالك في التسهيل كون عطف البيان تابعا للمضمر ، لامتناع ذلك في النعت ؛ ولكن أجاز سيبويه «يا هذان زيد وعمرو» على عطف البيان ، وتبعه الزيادي ، فأجاز «مررت بهذين الطّويل والقصير» على البيان ، وأجازه على البدل أيضا ، ولم يجزه على النعت ، لأن نعت الإشارة لا يكون إلا طبقها في اللفظ ، وممّن نصّ على منع النعت في هذا سيبويه والمبرد والزجّاج ، وهو مقتضى القياس ، ومنع سيبويه فيها مخالف لإجازته في النداء.