النوع الرابع : اشتراط الإبهام في بعض الألفاظ كظروف المكان ، والاختصاص في بعضها كالمبتدآت وأصحاب الأحوال.
ومن الوهم في الأوّل قول الزمخشري في (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) [يس : ٦٦] ، وفي (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) [طه : ٢١] وقول ابن الطراوة في قوله [من الكامل] :
٧٣٧ ـ [لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه |
|
فيه] كما عسل الطّريق الثّعلب (١) |
وقول جماعة في «دخلت الدار ، أو المسجد ، أو السّوق» إن هذه المنصوبات ظروف ، وإنّما يكون ظرفا مكانيّا ما كان مبهما ، ويعرف بكونه صالحا لكل بقعة كـ «مكان» و «ناحية» ، و «جهة» ، و «جانب» و «أمام» ، و «خلف».
والصواب أن هذه المواضع على إسقاط الجارّ توسعا ، والجار المقدر «إلى» في (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) [طه : ٢١] و «في» في البيت ، و «في» أو «إلى» في الباقي ؛ ويحتمل أن (استبقوا) ضمّن معنى «تبادروا» ، وقد أجيز الوجهان في (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨] ويحتمل (سِيرَتَهَا) أن يكون بدلا من ضمير المفعول بدل اشتمال ، أي : سنعيدها طريقتها.
ومن ذلك قول الزجّاج في (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة : ٥] إن «كلّ» ظرف ، وردّه أبو علي في «الأغفال» بما ذكرنا ؛ وأجاب أبو حيان بأن (اقْعُدُوا) ليس على حقيقته ، بل معناه ارصدوهم كلّ مرصد ، ويصح : ارصدوهم كل مرصد ، فكذا يصحّ: قعدت كل مرصد ، قال : ويجوز : قعدت مجلس زيد ، كما يجوز : قعدت مقعده ، ا ه.
وهذا مخالف لكلامهم ، إذ اشترطوا توافق مادّتي الظرف وعامله ، ولم يكتفوا بالتوافق المعنوي كما في المصدر ، والفرق أن انتصاب هذا النوع على الظرفية على خلاف القياس لكونه مختصا ، فينبغي أن لا يتجاوز به محل السماع ؛ وأما نحو : «قعدت جلوسا» فلا دافع له من القياس ؛ وقيل : التّقدير : اقعدوا لهم على كل مرصد فحذفت «على» ، كما قال [من الطويل] :
٧٣٨ ـ [تحنّ فتبدي ما بها من صبابة] |
|
وأخفي الّذي لو لا الأسى لقضاني (٢) |
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لساعد بن جؤبة الهذلي في تخليص الشواهد ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٨٣ ، والدرر ٣ / ٨٦ ، وشرح شواهد أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لعروة بن حزام ، في خزانة الأدب ٨ / ١٣٠ ، والدرر ٤ / ١٣٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥٢.