أي : لقضى عليّ ، وقياس الزجّاج أن يقول في (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف :١٦] مثل قوله في (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة : ٥] ، والصواب في الموضوعين أنهما على تقدير «على» ، كقولهم : «ضرب زيد الظهر والبطن» فيمن نصبهما ، أو أنّ «لأقعدنّ» و «اقعدوا» ضمّنا معنى «لألزمنّ» و «الزموا».
ومن الوهم في الثاني قول الحوفي في (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠]. إن (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) جملة مخبر بها عن «ظلمات» ، و «ظلمات» غير مختصّ ؛ فالصواب قول الجماعة إنه خبر لمحذوف ، أي : تلك ظلمات ؛ نعم إن قدّر أن المعنى : ظلمات أيّ ظلمات بمعنى ظلمات عظام أو متكاثفة ، وتركت الصفة لدلالة المقام عليها ، كما قال [من الطويل] :
٧٣٩ ـ له حاجب في كلّ أمر يشينه |
|
[وليس له عن طالب العرف حاجب](١) |
صحّ ، وقول الفارسي في (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الحديد : ٢٧] : إنه من باب «زيدا ضربته» ، واعترضه ابن الشجري بأنّ المنصوب في هذا الباب شرطه أن يكون مختصّا ليصحّ رفعه بالابتداء ، والمشهور أنه عطف على ما قبله ، و «ابتدعوها» : صفة ؛ ولا بدّ من تقدير مضاف ، أي : وحبّ رهبانية ، وإنما لم يحمل أبو علي الآية على ذلك لاعتزاله ، فقال : لأن ما يبتدعونه لا يخلقه الله عزوجل ؛ وقد يتخيّل ورود اعتراض ابن الشجري على أبي البقاء في تجويزه في (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) [الصف : ١٣] كونه كـ «زيدا ضربته» ، ويجاب بأن الأصل «وصفة أخرى» ، ويجوز كون (تُحِبُّونَها) صفة ، والخبر إما «نصر» ، وإما محذوف ، أي : ولكم نعمة أخرى ، و «نصر» : بدل أو خبر لمحذوف ، وقول ابن ابن مالك بدر الدين في قول الحماسي [من الرمل] :
٧٤٠ ـ فارسا ما غادروه ملحما |
|
[غير زمّيل ولا نكس وكل](٢) |
إنه من باب الاشتغال كقول أبي علي في الآية ، والظاهر أنه نصب على المدح لما قدمنا ، و «ما» في البيت زائدة ؛ ولهذا أمكن أن يدّعى أنه من باب الاشتغال.
النوع الخامس : اشتراطهم الإضمار في بعض المعمولات ، والإظهار في بعض ؛
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ١ / ٣٨٩ مادة / ذنب / ، وأساس البلاغة ص ٤١٤ مادة / لمظ / ، وتاج العروس ٢ / ٤٣٧ مادة / ذنب /.
(٢) البيت من الرمل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ١٣٣ ، وله أو لامرأة من بني الحارث في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٣٩ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٥٠١.