زيد مأخوذ» ، لأنّ عدم المنصوب دليل عليه ، وحذف الجارّ في نحو : «رغبت في أن تفعل» أو «عن أن تفعل» ، بخلاف «عجبت من أن تفعل» ؛ وأما (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ٢٧] فإنما حذف الجار فيها لقرينة ؛ وإنما اختلف العلماء في المقدّر من الحرفين في الآية لاختلافهم في سبب نزولها ؛ فالخلاف في الحقيقة في القرينة.
وكان مردودا قول أبي الفتح : إنه يجوز «جلست زيدا» بتقدير مضاف ، أي : جلوس زيد ، لاحتمال أن المقدر كلمة «إلى» ؛ وقول جماعة : إن بني تميم لا يثبتون خبر «لا» التبرئة ، وإنما ذلك عند وجود الدليل ؛ وأما نحو : «لا أحد أغير من الله» وقولك مبتدئا من غير قرينة : «لا رجل يفعل كذا» فإثبات الخبر فيه إجماع ؛ وقول الأكثرين : إن الخبر بعد «لولا» واجب الحذف ، وإنما ذلك إذا كان كونا مطلقا ، نحو : «لولا زيد لكان كذا» ، يريد : لولا زيد موجود أو نحوه ؛ وأمّا الأكوان الخاصة التي لا دليل عليها لو حذفت فواجبة الذكر ، نحو : «لولا زيد سالمنا ما سلم» ، ونحو قوله عليه الصلاة والسّلام : «لو لا قومك حديثوا عهد بالإسلام لأسّست البيت على قواعد إبراهيم». وقال الجمهور : لا يجوز «لا تدن من الأسد يأكلك» بالجزم ، لأن الشرط المقدّر إن قدّر مثبتا ـ أي فإن تدن ـ لم يناسب فعل النهي الذي جعل دليلا عليه ، وإن قدّر منفيّا ـ أي : فلا تدن ـ فسد المعنى ، بخلاف «لا تدن من الأسد تسلم» فإن الشّرط المقدّر منفيّ ، وذلك صحيح في المعنى والصناعة ؛ ولك أن تجيب عن الجمهور بأنّ الخبر إذا كان مجهولا وجب أن يجعل نفس المخبر عنه عند الجميع من باب «لولا» ، وعند تميم في باب «لا» ، فيقال : «لولا قيام زيد» و «لا قيام» أي : موجود ، ولا يقال «لولا زيد» ولا «لا رجل» ويراد : قائم ؛ لئلا يلزم المحذور المذكور ؛ وأما «لولا قومك حديثو عهد» فلعله مما يروى بالمعنى ؛ وعن الكسائي في إجازته الجزم بأنه يقدّر الشّرط مثبتا مدلولا عليه بالمعنى لا باللفظ ، ترجيحا للقرينة المعنويّة على القرينة اللفظية ، وهذا وجه حسن إذا كان المعنى مفهوما.
* * *
تنبيهان ـ أحدهما : أن دليل الحذف نوعان : أحدهما : غير صناعيّ ، وينقسم إلى حاليّ ومقاليّ كما تقدّم ؛ والثاني : صناعي ، وهذا يختص بمعرفته النّحويّون ، لأنه إنما عرف من جهة الصّناعة ، وذلك كقولهم في قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) [القيامة: ١] إن التقدير : لأنا أقسم ؛ وذلك لأن فعل الحال لا يقسم عليه في قول البصريّين ؛ وفي «قمت وأصكّ عينه» إن التقدير : وأنا أصك ، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع