متمنّى أو مترجّى أو مشبّه به ، والخبر المحذوف ليس كذلك ، لأنه خبر المبتدأ.
فإن قلت : فكيف تصنع بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] في قراءة من رفع ، وذلك محمول عند البصريّين على الحذف من الأوّل لدلالة الثاني ، أي إن الله يصلي وملائكته يصلّون ؛ وليس عطفا على الموضع ويصلون خبرا عنهما ، لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ؛ والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار ، والمحذوفة بمعنى الرحمة ، وقال الفرّاء في قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ) [القيامة : ٣ ـ ٤] إن التقدير : بلى ليحسبنا قادرين ، والحسبان المذكور بمعنى الظنّ ، والمحذوف بمعنى العلم ؛ إذ التردّد في الادّعاء كفر ، فلا يكون مأمورا به ، وقال بعض العلماء في بيت الكتاب [من الخفيف] :
٧٨٩ ـ لن تراها ـ ولو تأمّلت ـ إلّا |
|
ولها في مفارق الرّأس طيبا (١) |
إن «ترى» المقدّرة الناصبة لـ «طيبا» قلبيّة لا بصريّة ، لئلّا يقتضي كون الموصوفة مكشوفة الرأس ، وإنما تمدح النّساء بالخفر والتصوّن ، لا بالتبدّل ، مع أن رأى المذكورة بصريّة.
قلت : الصّواب عندي أن الصّلاة لغة بمعنى واحد ، وهو العطف ، ثم العطف بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميّين دعاء بعضهم لبعض ؛ وأما قول الجماعة فبعيد من جهات ، إحداها : اقتضاؤه الاشتراك والأصل عدمه لما فيه من الإلباس ، حتى إن قوما نفوه ، ثم المثبتون له يقولون : متى عارضه غيره مما يخالف الأصل كالمجاز قدّم عليه ؛ الثّانية : أنا لا نعرف في العربيّة فعلا واحدا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقيّا ؛ والثالثة : أن الرحمة فعلها متعدّ والصّلاة فعلها قاصر ، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدّي ؛ والرابعة : أنه لو قيل مكان «صلّى عليه» دعا عليه انعكس المعنى ، وحقّ المترادفين صحة حلول كل منهما محلّ الآخر.
وأما آيةالقيامة فالصواب فيها قول سيبويه إن (قادِرِينَ) حال ، أي بلى نجمعها قادرين ، لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ، ولأن بلى إيجاب للمنفيّ وهو في الآية
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو لعبد الله بن قيس الرقيات في ملحق ديوانه ص ١٧٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشباه والنظائر ٦ / ٣٥ ، والخصائص ٢ / ٤٢٩.