فعل الجمع ؛ ولو سلم قول الفراء فلا يسلم أن الحسبان في الآية ظنّ ، بل اعتقاد وجزم ، وذلك لإفراط كفرهم.
وأمّا قول المعرب في البيت فمردود ، وأحوال الناس في اللباس والاحتشام مختلفة ، فحال أهل المدر يخالف حال أهل الوبر ، وحال أهل الوبر مختلف ، وبهذا أجاب الزمخشريّ عن إرسال شعيب عليه الصلاة والسّلام ابنتيه لسقي الماشية ؛ وقال : العادات في مثل ذلك متباينة ، وأحوال العرب خلاف أحوال العجم.
الشرط الثاني : أن لا يكون ما يحذف كالجزء ، فلا يحذف الفاعل ، ولا نائبه ، ولا مشبهه. وقد مضى الردّ على ابن مالك في مرفوع أفعال الاستثناء ؛ وقال الكسائي وهشام والسهيلي في نحو : «ضربني وضربت زيدا» : إن الفاعل محذوف لا مضمر ؛ وقال ابن عطية في (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا) [الجمعة : ٥] : إنّ التقدير : بئس المثل مثل القوم ، فإن أراد أن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود ، وإن أراد تفسير المعنى وأن في «بئس» ضمير المثل مستترا فأين تفسيره ؛ وهذا لازم للزمخشري فإنه قال في تقديره : بئس مثلا! وقد نصّ سيبويه على أن تمييز فاعل «نعم» و «بئس» لا يحذف ، والصواب أن (مَثَلُ الْقَوْمِ) فاعل ، وحذف المخصوص ، أي مثل : هؤلاء ؛ أو مضاف ، أي : مثل الذين كذبوا ؛ ولا خلاف في جواز حذف الفاعل مع فعله ، نحو : (قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] و «يا عبد الله» ، و «زيدا ضربته».
الثالث : أن لا يكون مؤكّدا ، وهذا الشّرط أول من ذكره الأخفش ، منع في نحو : «الذي رأيت زيد» أن يؤكد العائد المحذوف بقولك : «نفسه» لأنّ المؤكّد مريد للطول ، والحاذف مريد للاختصار ؛ وتبعه الفارسيّ ، فرد في كتاب الأغفال قول الزجّاج في (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] إن التّقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد باللام متنافيان ؛ وتبع أبا علي أبو الفتح ، فقال في الخصائص ، لا يجوز «الّذي ضربت نفسه زيد» كما لا يجوز إدغام نحو : «اقعنسس» ، لما فيها جميعا من نقض الغرض وهو الإلحاق بـ «احرنجم» ؛ وتبعهم ابن مالك فقال : لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكّد كـ «ضربت ضربا» لأن المقصود به تقوية عامله وتقرير معناه ، والمحذوف مناف لذلك ؛ وهؤلاء كلهم مخالفون للخليل وسيبويه أيضا ، سأل الخليل عن نحو : «مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما» : كيف ينطق بالتّوكيد؟ أجابه بأنه يرفع بتقدير : هما صاحباي أنفسهما ؛ وينصب بتقدير : أعنيهما أنفسهما ؛ ووافقهما على ذلك جماعة ، واستدلّوا بقول العرب [من المنسرح] :