وهذا حمل على الضّرورة من غير ضرورة.
ومما يلتبس على المبتدىء أن يقول في نحو : «مررت بقاض» إن الكسرة علامة الجرّ ، حتى إنّ بعضهم يستشكل قوله تعالى : (لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣] ، وقد سألني بعضهم عن ذلك ، فقال : كيف عطف المرفوع على المجرور؟ فقلت : فهلا استشكلت ورود الفاعل مجرورا ، وبينت له أن الأصل : «زاني» بياء مضمومة ، ثم حذفت الضمة للاستثقال ، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة هي والتنوين ؛ فيقال فيه : فاعل ، وعلامة رفعه ضمّة مقدرة على الياء المحذوفة ؛ ويقال في نحو : «مررت بقاض» : جار ومجرور ، وعلامة جرّه كسرة مقدّرة على الياء المحذوفة ، وفي نحو : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ) [الفجر : ١ ـ ٢] : و «الفجر» : جارّ ومجرور ، و «ليال» عاطف ومعطوف ، وعلامة جرّه فتحة مقدّرة على الياء المحذوفة ، وإنما قدّرت الفتحة مع خفّتها لنيابتها عن الكسرة ، ونائب الثقيل ثقيل ؛ ولهذا حذفت الواو في «يهب» كما حذفت في «يعد» ، ولم تحذف في «يوجل» ، لأن فتحته ليست نائبة عن الكسرة ، لأن ماضيه «وجل» بالكسر ، فقياس مضارعه الفتح ، وماضيها «فعل» بالفتح ، فقياس مضارعهما الكسر ، وقد جاء «يعد» على ذلك ، وأما «يهب» فإن الفتحة فيه عارضة لحرف الحلق.
ومن هنا أيضا قال أبو الحسن في : «يا غلاما» : يا غلام ، بحذف الألف وإن كانت أخفّ الحروف ، لأن أصلها الياء.
ومن ذلك أن يبادر في نحو : «المصطفين» و «الأعلين» إلى الحكم بأنه مثنى ، والصواب أن ينظر أولا في نونه ، فإن وجدها مفتوحة كما في قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) [ص : ٤٧] حكم بأنه جمع ، وفي الآية دليل ثان ، وهو وصفه بالجمع ، وثالث وهو دخول «من» التبعيضيّة عليه بعد «وإن هم» ، ومحال أن يكون الجمع من الاثنين ، وقال الأحنف بن قيس [من الطويل] :
٨٩٩ ـ تحلّم عن الأذنين واستبق ودّهم |
|
ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما (١) |
ومن ذلك أن يعرب الياء والكاف والهاء في نحو : «غلامي أكرمني» ، و «غلامك أكرمك» ، و «غلامه أكرمه» إعرابا واحدا ، أو بعكس الصواب ؛ فليعلم أنهنّ إذا اتّصلن
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في أدب الكاتب ص ٤٦٦ ، وشرح شواهد المغني ٣ / ٩٥١ ، والممتع في التصريف ١ / ٨٤.