أحدها : التوقّع ، وذلك مع المضارع واضح كقولك : «قد يقدم الغائب اليوم» إذا كنت تتوقّع قدومه.
وأما مع الماضي فأثبته الأكثرون. قال الخليل : يقال «قد فعل» لقوم ينتظرون الخبر ، ومنه قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» ؛ لأن الجماعة منتظرون لذلك. وقال بعضهم : تقول : «قد ركب الأمير» لمن ينتظر ركوبه ، وفي التنزيل : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) [المجادلة : ١] لأنّها كانت تتوقّع إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائها.
وأنكر بعضهم كونها للتوقّع مع الماضي ، وقال : التوقّع انتظار الوقوع ، والماضي قد وقع.
وقد تبيّن بما ذكرنا أن مراد المثبتين لذلك أنها تدلّ على أن الفعل الماضي كان قبل الإخبار به متوقّعا ، لا أنه الآن متوقّع. والذي يظهر لي قول ثالث ، وهو أنها قد لا تفيد التوقّع أصلا ، أما في المضارع فلأن قولك : «يقدم الغائب» يفيد التوقّع بدون «قد» ؛ إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقّع له ، وأما في الماضي فلأنه لو صحّ إثبات التوقّع لها ، بمعنى أنّها تدخل على ما هو متوقّع ، لصحّ أن يقال في «لا رجل» بالفتح إن «لا» للاستفهام لا تدخل إلا جوابا لمن قال : هل من رجل ، ونحوه ، فالذي بعد «لا» مستفهم عنه من جهة شخص آخر ، كما أن الماضي بعد «قد» متوقّع كذلك. وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة ، فإنه قال : إنها تدخل على ماض متوقّع ، ولم يقل إنها تفيد التوقّع ، ولم يتعرّض للتوقع في الداخلة على المضارع ألبتة ، وهذا هو الحقّ.
الثاني : تقريب الماضي من الحال ، تقول : «قام زيد» فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد ، فإن قلت «قد قام» اختصّ بالقريب.
وانبنى على إفادتها أحكام :
أحدها : أنها لا تدخل على «ليس» و «عسى» و «نعم» و «بئس» لأنهن للحال ؛ فلا معنى لذكر ما يقرّب ما هو حاصل ؛ ولذلك علّة أخرى ، وهي أن صيغهنّ لا يفدن الزمان ، ولا يتصرّفن ، فأشبهن الاسم ، وأما قول عديّ [من الكامل] :
٧٤ ـ لولا الحياء ، وأنّ رأسي قد عسا |
|
فيه المشيب ، لزرت أمّ القاسم (١) |
ف «عسى» هنا بمعنى «اشتدّ» ، وليست «عسى» الجامدة
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لعدي بن الرقاع في الأغاني ٩ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في كتاب اللامات ص ١٢٩.