(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [النحل : ١٢٤] ، فإذا قرب الماضي من الحال أشبه المضارع الذي هو شبيه بالاسم ، فجاز دخولها عليه.
المعنى الثالث ، التقليل ، وهو ضربان : تقليل وقوع الفعل ، نحو : «قد يصدق الكذوب» ، و «قد يجود البخيل» وتقليل متعلّقه ، نحو قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور : ٦٤] ، أي : ما هم عليه هو أقلّ معلوماته سبحانه. وزعم بعضهم أنها في هذه الأمثلة ونحوها للتّحقيق ، وأن التقليل في المثالين الأوّلين لم يستفد من «قد» ، بل من قولك : البخيل يجود ، والكذوب يصدق ، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا ، إذ آخر الكلام يناقض أوّله.
الرابع : التكثير ، قاله سيبويه في قول الهذلي [من البسيط] :
٧٦ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
[كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد](١) |
وقال الزمخشري في (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) [البقرة : ١٤٤] : ربّما نرى ، ومعناه تكثير الرؤية. ثم استشهد بالبيت. واستشهد جماعة على ذلك ببيت العروض [من البسيط] :
٧٧ ـ قد أشهد الغارة الشّعواء تحملني |
|
جرداء معروفة اللّحيين سرحوب (٢) |
الخامس : التحقيق ، نحو : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) [الشمس : ٩] ، وقد مضى أن بعضهم حمل عليه قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور : ٦٤]. قال الزمخشري : دخلت لتوكيد العلم ، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد. وقال غيره في : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا) [البقرة : ٦٥] : «قد» في الجملة الفعليّة المجاب بها القسم مثل «إنّ» واللام في الجملة الاسميّة المجاب بها في إفادة التوكيد. وقد مضى نقل القول بالتقليل في الأولى ، والتّقريب والتوقّع في مثل الثانية ، ولكنّ القول بالتحقيق فيهما أظهر.
والسادس : النفي ، حكى ابن سيده «قد كنت في خير فتعرفه» بنصب تعرف ، وهذا غريب ؛ وإليه أشار في التّسهيل بقوله : وربما نفي بـ «قد» فنصب الجواب بعدها ، ا ه.
ومحمله عندي على خلاف ما ذكر ، وهو أن يكون كقولك للكذوب : «هو رجل
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ٦٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥٣ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٦ ، ورصف المباني ص ٣٩٣ ، ولسان العرب ١٣ / ١٧ مادة (أسن).
(٢) البيت من البحر البسيط ، وهو لأمرىء القيس في ديوانه ص ٢٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢١ ، ولأمرىء القيس أو لعمران بن إبراهيم الأنصاري في شرح شواهد المغني ٢ / ٤٩٦ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٥٨ وخزانة الأدب ٦ / ١٠٥.