انتهاء عدم وجود أحد الضدّين مع وجود الآخر إلى عدم تعلّق الإرادة الأزليّة به وتعلّقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة ، فيكون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضي ، فلا يكاد يكون مستنداً إلى وجود المانع كي يلزم الدور ... ذكره صاحب الكفاية (١) ، وتوضيحه :
إنّه لا يلزم الدور ، لكون التوقّف من أحد الطرفين فعليّاً ومن الطرف الآخر تقديريّاً ، وهذا الاختلاف كافٍ لعدم لزومه ، لأنّ الوجود الفعلي للمعلول متوقّف دائماً على فعليّة العلّة التامّة بجميع أجزائها ، من المقتضي والشرط وعدم المانع ، فإذا تحقّقت تحقّق المعلول واستند وجوده إليها ... هذا من جهةٍ. ومن جهة أُخرى : يعتبر وجود أجزاء العلّة جميعاً مع وجود المعلول وإن كانت الأجزاء مختلفةً في المرتبة ، لكنّ وجود المعلول مستند إلى جميعها ، فإذا وجدت وجد. أمّا عدم المعلول فيستند في الدرجة الأُولى إلى عدم المقتضي ثمّ إلى عدم الشرط ثمّ إلى وجود المانع ، لأنّ المراد من الشرط ما يتمّم فاعليّة الفاعل أي المقتضي ، ومن المانع ما يزاحم المقتضي في التأثير ، فلا بدّ من وجود المقتضي أوّلاً ثمّ الشرط ثمّ عدم المانع ، فلو فقد المقتضي لاستند عدم المعلول إلى عدم الشرط أو وجود المانع ، ولو فقد الشرط ـ مع وجود المقتضي ـ استند عدم المعلول إلى عدم الشرط لا إلى وجود المانع.
فالمراد من فعليّة التوقّف في طرف وجود الضدّ هو أنّ العلّة التامّة لوجوده متحقّقة ، إذ المقتضي والشّرط متحقّقان ، فهو متوقّف على عدم الضدّ.
لكنّ التوقف من طرف العدم تقديري ، لأنّ عدم الضدّ لا يسند إلى وجود الضدّ الآخر ، إلاّ إذا تحقّق المقتضي والشرط للعدم ، فكان توقّف عدم الضدّ على
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٣٠.