وبهذا ظهر : إنّه على القول باستحالة تحقّق المقتضي للضدّين يسقط التفصيل ، سواء كان مناط الحاجة هو الإمكان أو الحدوث ، أمّا على القول بعدم الاستحالة فينحصر الجواب عن التفصيل بكون المناط هو الإمكان.
هذا ، ولا يتوهّم أنّ المانعيّة إنّما هي للضدّ الموجود ، لأنّه هو السبب في ارتفاع قابليّة المحلّ للضدّ الآخر ، ولولاه لشغل ذاك هذا المحلّ ... لأنّ ذلك ـ وإنْ كان كذلك بنظر العرف ـ خلاف الواقع بحكم العقل وهو الحاكم في مثل هذه الأُمور دون العرف ، لأنّ قابليّة المحلّ مقدّمة رتبةً على وجود الضدّ غير الموجود ، ولمّا كان الضدّ الموجود هو الرافع للقابليّة هذه ، كان الضدّ الموجود مقدّماً برتبتين على الضدّ غير الموجود ، فلا تمانع بينهما.
وأيضاً : فإنّ الضدّ غير الموجود فعلاً له شأنيّة الوجود ، فهو قابلٌ لأنْ يكون علّةً لزوال الضدّ الموجود ، فيكون كلّ واحدٍ منهما قابلاً للعليّة وقابلاً للمعلوليّة ، فيكون أحدهما متقدّماً بالقوّة والآخر متأخّراً بالقوّة ، وأحياناً متقدّماً بالفعل ومتأخّراً بالفعل. فلا يتحقّق التضاد بينهما أبداً.
وقال السيّد الأُستاذ ـ بعد قوله : الذي يقتضيه الإنصاف هو تسليم القول بالتفصيل ـ ما ملخّصه : هذا التفصيل لا ينفع فيما نحن فيه من متعلّقات الأحكام الشرعيّة ، لكونه من الأفعال التدريجيّة الحصول بلا أنْ يكون لها وجود قار ، فهي دائماً تكون من الضدّ المعدوم ، ولا مقدميّة في الضدّ المعدوم. فلا يكون للتفصيل ثمرة عمليّة (١).
__________________
(١) منتقى الأُصول ٢ / ٣٥٥.