لا أن يكون أصل وجود الخطاب رافعاً ـ كما تقدّم ـ فإن التزاحم ينتفي حينئذٍ ولا يبقى موضوع للترتب ، لأنه فرع التزاحم بين الخطابين ، فلا بدّ من وجوده حتى نرى هل يرتفع باشتراط أحدهما بعصيان الآخر أو لا؟
ثم إن هنا قاعدةً وهي : إنه لو حصل خطاب في موضوع خطابٍ آخر ، فإمّا أن يمكن اجتماع متعلّقي الخطابين ، فلا بحث ، كما لو جاء في موضوع وجوب الصّلاة ، ـ وهو أوّل الفجر ـ وجوب الصّوم أيضاً ، فيكون أوّل الفجر موضوعاً لكليهما ولا تمانع بينهما ، وامّا لا يمكن ويقع التمانع ، فعلى الحاكم لحاظ الملاكين وتقديم الأهم وإلاّ فالتخيير.
فإن كان لكلٍّ من المتعلّقين ملاك تام ووقع الإشكال في مرحلة الخطاب ، من حيث القدرة وعدمها عند المكلّف على الامتثال ، كان أحد الحكمين رافعاً لموضوع الآخر بامتثاله ، لفرض عدم القدرة على امتثالهما معاً ، وبقطع النظر عن الامتثال يكون الموضوع باقياً ، إلاّ أن القدرة الواحدة لا تفي لامتثال الحكمين. فإن لزم من الجمع بينهما طلب الجمع بين الضدين ، فلا مناص من الأخذ بالأهم وينعدم الخطاب بالمهم ، أما إن كانا متساويين ولا أهم في البين ، فالخطابان كلاهما ينعدمان ويستكشف خطاب واحد تخييري ، وإن لم يلزم منهما طلب الجمع بين الضدّين ـ والمفروض وجود الملاك التام لكلّ منهما ـ وجب وجودهما ... وهذا معنى قولهم : إن إمكان الترتّب مساوق لوجوبه.
إنما الكلام ـ كلّ الكلام ـ في إثبات عدم لزوم الجمع. وقد أقام الميرزا ثلاثة براهين على ذلك.
وقد ذكر قبل الورود في المطلب ما هو المنشأ للزوم الجمع بين الضدّين ، فقال : بأنّ المنشأ لهذا المحذور هو أحد أُمورٍ ثلاثة :