حين العمل ملتفتاً ، كما هو الحال في الوضوء من أجل الصّلاة مثلاً ، فإنّ المتوضّئ ليس بغافل عمّا يفعل. فليس المقدّمة مغفولاً عنه. والحاصل : إنّ المقدميّة لا تمنع من الالتفات والتوجّه إلى العمل ، وهو ظاهر قوله عليهالسلام : «طوبى لعبدٍ تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي»(١).
وعلى الجملة ، فإنّ المقدّمة قد تعلّق بها الطلب وأصبحت واجبةً ، وقد أتى بها امتثالاً للأمر ، وهي ملتفت إليها ، وإنْ كان الغرض الأصلي مترتّباً على ذي المقدّمة.
وذكر سيّدنا الأُستاذ قدسسره برهاناً آخر قال : ومحصّل ما نريد أن نقوله بياناً لهذا الوجه هو : إن الثواب إنما ينشأ عن إتيان العمل مرتبطاً بالمولى بالاتيان به بداعي الأمر ـ الذي هو معنى الامتثال ـ ، فترتب الثواب على موافقة الأمر الغيري انما تتصور بالإتيان بالمقدمة بداعي الأمر الغيري ، ومن الواضح أن الأمر الغيري لا يصلح للداعويّة والتحريك أصلاً ، فلا يمكن الاتيان بالعمل بداعي الامتثال الأمر الغيري. أما أنه لا يصلح للداعويّة والتحريك ، فلأن المكلف عند الاتيان بالمقدمة إمّا ان يكون مصمماً وعازماً على الاتيان بذي المقدمة أو يكون عازماً على عدم الإتيان به ، فإن كان عازماً على الإتيان به ، فإتيانه المقدمة ـ مع التفاته إلى مقدميتها كما هو المفروض ـ قهري لتوقف ذي المقدمة عليها ، سواء تعلق بها الأمر الغيري كي يدعى دعوته إليها أو لا فالاتيان بالمقدمة في هذا التقدير لا ينشأ عن تحريك الأمر الغيري ، بل هو أمر قهري ضروري ومما لا محيص عنه. وإن كان عازماً على عدم الاتيان بذي المقدمة ، فلا يمكنه قصد الأمر الغيري بالاتيان بالمقدمة ، إذ ملاك تعلق الأمر الغيري بالمقدمة هو جهة مقدميتها والوصول بها إلى الواجب النفسي ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ / ٣٨١ الباب ١٠ من أبواب الوضوء.