وضمت عليه المجالس أزرارها ، والراح يديرها أهيف أوطف (١) ، والأماني تجنى وتقطف ، فقال: [الكامل]
يا ربّ ليل قد هتكت حجابه |
|
بمدامة وقّادة كالكوكب |
يسعى بها أحوى الجفون كأنّها |
|
من خدّه ورضاب فيه الأشنب |
بدران بدر قد أمنت غروبه |
|
يسعى ببدر جانح للمغرب |
فإذا نعمت برشف بدر غارب |
|
فانعم برشفة طالع لم يغرب |
حتّى ترى زهر النّجوم كأنّها |
|
حول المجرّة ربرب في مشرب |
واللّيل منفجر يطير غرابه |
|
والصّبح يطرده بباز أشهب(٢) |
ثم قال الفتح ، بعد كلام كثير ، ما صورته : ودخل ـ يعني ابن السيد ـ سرقسطة أيام المستعين وهي جنة الدنيا ، وفتنه المحيا ، ومنتهى الوصف ، وموقف السرور القصف ، ملك نمير البشاشة ، كثير الهشاشة ، وملك أبهج الفناء ، أرج الأرجاء ، يروق المجتلى ، ويفوق النجم المعتلى ، وحضرة منسابة الماء ، منجابة السماء ، يبسم زهرها ، وينساب نهرها ، وتتفتح خمائلها ، وتتضوع صباها وشمائلها ، والحوادث لا تعترضها ، والكوارث لا تقترضها (٣) ، ونازلها من عرس إلى موسم ، وآملها متصل بالأماني ومتّسم ، فنزل منها في مثل الخورنق والسدير ، وتصرف فيها بين روضة وغدير ، فلم يخف على المستعين احتلاله ، ولم تخفّ لديه خلاله ، فذكره معلما به ومعرفا ، وأحضره منوّها به ومشرفا ، وقد كان فر من ابن رزين ، فرار السرور من نفس الحزين ، وخلص من اعتقاله ، خلوص السيف من ثقاله (٤) ، فقال يمدحه (٥) : [الطويل]
هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا |
|
بأقمار أطواق مطالعها بان |
لئن غادروني باللّوى إنّ مهجتي |
|
مسايرة أظعانهم حيثما كانوا |
سقى عهدهم بالخيف عهد غمائم |
|
ينازعها نهر من الدّمع هتّان |
أأحبابنا هل ذلك العهد راجع |
|
وهل لي عنكم آخر الدّهر سلوان |
ولي مقلة عبرى وبين جوانحي |
|
فؤاد إلى لقياكم الدّهر حنّان |
__________________
(١) الأوطف : طويل أهداب العين.
(٢) في ب ، ه : والليل منحفز.
(٣) في ب ، ه : لا تقرضها ، وهما بنفس المعنى.
(٤) في ب : صقاله.
(٥) القلائد : ١٩٩.