وكل من صده عنه نهره ونجهه (١) ، حتى وصل إلى مكان انفراده ، ووقف بإزاء وساده ، فلما وقعت عين ابن عمّار عليه ، أشار بيده إليه ، وقرّبه واستدناه (٢) ، وضمه إليه كأنه تبنّاه ، وأراد (٣) أن يخلع عنه ذلك الغدير ، وأن يكون هو الساقي والمدير ، فأمره المؤتمن بخلعه ، وطاعة أمره وسمعه ، فنضاه عن جسمه ، وقام يسقي على حكمه ورسمه ، فلما دبت فيه الحميّا (٤) ، وشبت غرامه بهجة ذلك المحيّا واستنزلته سورة العقار ، من مرقب الوقار ، قال : [الكامل]
وهويته يسقي المدام كأنّه |
|
قمر يدور بكوكب في مجلس |
متأرّج الحركات تندى ريحه |
|
كالغصن هزّته الصّبا بتنفّس |
يسعى بكأس في أنامل سوسن |
|
ويدير أخرى من محاجر نرجس |
يا حامل السّيف الطّويل نجاده |
|
ومصرّف الفرس القصير المحبس |
إيّاك بادرة الوغى من فارس |
|
خشن القناع على عذار أملس |
جهم وإن حسر اللّثام فإنّما |
|
كشف الظلام عن النّهار المشمس(٥) |
يطغى ويلعب في دلال عذاره |
|
كالمهر يمرح في اللّجام المجرس(٦) |
سلّم فقد قصف القنا غصن النّقا |
|
وسطا بليث الغاب ظبي المكنس(٧) |
عنّا بكاسك ، قد كفتنا مقلة |
|
حوراء قائمة بسكر المجلس |
وأورد هذه القصة صاحب البدائع بقوله : حضر أبو المطرّف بن عبد العزيز عند المؤتمن بن هود في يوم أجرى الجوّ فيه أشقر برقه ، ورمى بنبل ودقه ، وتحملت الرياح فيه أوقار السحاب على أعناقها ، وتمايلت قامات الأغصان في الحلل الخضر من أوراقها ، والرياح قد أشرقت نجومها في بروج الراح ، وحاكت شمسها شمس الأفق فتلفعت بغيوم الأقداح ، ومديرها قد ذاب ظرفا فكاد يسيل من إهابه ، وأخجل خدّها حسنا فتظلل بعرق حبابه ، إذا بفتى روميّ (٨) من فتيان المؤتمن قد أقبل متدرّعا كالبدر اجتاب سحابا ، والخمر قد اكتست حبابا ، (٩) وقد جاء يريد استشارة المؤتمن في الخروج إلى موضع قد (١٠) كان عوّل فيه عليه ، وأمره أن
__________________
(١) نجهه : استقبله بما يكره.
(٢) استدناه : قرّبه.
(٣) في ب : وحد أن يخلع.
(٤) الحميا : الخمر.
(٥) في ه : جهم وإن حسر القناع.
(٦) المجرس : الذي له صوت كصوت الجرس.
(٧) المكنس : مأوى الغزلان.
(٨) رومي : غير موجودة في ب.
(٩) الحباب : الفقاقيع التي تظهر على ظهر الخمر أو الماء.
(١٠) قد : غير موجودة في ب.