وحكي أن الخليفة الحكم قال له يوما (١) : لقد بلغني أنك لا تجتهد للأيتام ، وأنك تقدم لهم أوصياء سوء يأكلون أموالهم ، قال : نعم ، وإن أمكنهم نيك أمهاتهم لم يعفّوا عنهنّ ، قال : وكيف تقدم مثل هؤلاء؟ قال : لست أجد غيرهم ولكن أحلني على اللؤلؤي وأبي إبراهيم ومثل هؤلاء ، فإن أبوا أجبرتهم بالسّوط والسجن ، ثم لا تسمع إلا خيرا.
وقال القاضي منذر : أتيت وأبو جعفر بن النحاس في مجلسه بمصر يملي في أخبار الشعراء شعر قيس المجنون حيث يقول : [الطويل]
خليليّ هل بالشّام عين حزينة |
|
تبكّي على نجد لعلّي أعينها |
قد اسلمها الباكون إلّا حمامة |
|
مطوّقة باتت وبات قرينها |
تجاوبها أخرى على خيزرانة |
|
يكاد يدنّيها من الأرض لينها |
فقلت له : يا أبا جعفر ، ما ذا أعزك الله تعالى باتا يصنعان؟ فقال لي : وكيف تقول أنت يا أندلسي؟ فقلت له : بانت وبان قرينها ، فسكت ، وما زال يستثقلني بعد ذلك ، حتى منعني كتاب العين ، وكنت ذهبت إلى الانتساخ من نسخته ، فلما قطع بي قيل لي : أين أنت من (٢) أبي العباس بن ولّاد؟ فقصدته ، فلقيت رجلا كامل العلم حسن المروءة ، فسألته الكتاب ، فأخرجه إليّ ، ثم ندم أبو جعفر لما بلغه إباحة أبي العباس الكتاب إلي (٣) ، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه.
قال : وكان أبو جعفر لئيم النفس ، شديد التقتير على نفسه ، وربما وهبت له العمامة فيقطعها ثلاث عمائم ، وكان يأبي شراء حوائجه بنفسه ، ويتحامل (٤) فيها على أهل معرفته ، انتهى.
وأبو جعفر هذا يقال : إن تواليفه تزيد على خمسين ، منها شرح عشرة دواوين للعرب ، وإعراب القرآن ، ومعاني القرآن ، وشرح أبيات الكتاب (٥) وغير ذلك.
رجع ـ وقال منذر بن سعيد : كتبت إلى أبي علي البغدادي أستعير منه كتابا من الغريب ، وقلت: [المجتث]
بحق ريم مهفهف |
|
وصدغه المتعطّف(٦) |
ابعث إلي بجزء |
|
من الغريب المصنف |
__________________
(١) انظر تاريخ قضاة الأندلس ص ٧٣.
(٢) في ب : عن أبي.
(٣) في ب ، ه : إباحة أبي العباس الكتاب لي.
(٤) يتحامل فيها على أهل معرفته : أي يحملهم القيام بها.
(٥) الكتاب : هو كتاب سيبويه.
(٦) الريم : الظبي الأبيض. والمهفهف : الضامر البطن ، الدقيق الخصر.