به مجالسه ، واطّردت له مقايسه ، فجدّ في طلبه ، واستجدّ به أبوه متمزق أربه ، ثم أدركه حمامه ، ووارته هناك رجامه (١) ، وبقي أبو بكر متفردا ، وللطلب متحردا (٢) ، حتى أصبح في العلم وحيدا ، ولم تجد عنه رياسته محيدا ، فكر إلى الأندلس فحلّها والنفوس إليه متطلعة ، ولأنبائه متسمعة ، فناهيك من حظوة لقي ، ومن عزة سقي ، ومن رفعة سما إليها ورقي ، وحسبك من مفاخر قلّدها ، ومحاسن أنس أثبتها فيها وخلّدها ، وقد أثبتّ من بديع نظمه ما يهز أعطافا ، وترده الأفهام نطافا ، (٣) فمن ذلك قوله يتشوق إلى بغداد ، ويخاطب فيها أهل الوداد : [الطويل]
أمنك سرى واللّيل يخدع بالفجر |
|
خيال حبيب قد حوى قصب الفخر؟ |
جلا ظلم الظّلماء مشرق نوره |
|
ولم يخبط الظّلماء بالأنجم الزّهر |
ولم يرض بالأرض البسيطة مسحبا |
|
فسار على الجوزا إلى فلك يجري |
وحثّ مطايا قد مطاها بعزّة |
|
فأوطأها قسرا على قنّة النّسر |
فصارت ثقالا بالجلالة فوقها |
|
وسارت عجالا تتّقي ألم الزّجر |
وجرّت على ذيل المجرّة ذيلها |
|
فمن ثمّ يبدو ما هناك لمن يسري |
ومرّت على الجوزاء توضع فوقها |
|
فآثار ما مرّت به كلف البدر(٤) |
وساقت أريج الخلد من جنّة العلا |
|
فدع عنك رملا بالأنيعم يستذري |
فما حذرت قيسا ولا خيل عامر |
|
ولا أضمرت خوفا لقاء بني ضمر |
سقى الله مصرا والعراق وأهلها |
|
وبغداد والشّامين منهمل القطر |
ومن تآليف الحافظ أبي بكر بن العربي المذكور كتاب «القبس ، في شرح موطأ مالك بن أنس» وكتاب «ترتيب المسالك ، في شرح موطأ مالك» وكتاب «أنوار الفجر» وكتاب «أحكام القرآن» وكتاب «عارضة الأحوذيّ (٥) ، في شرح الترمذي» والأحوذي ـ بفتح الهمزة ، وسكون الحاء المهملة ، وفتح الواو ، وكسر الذال المعجمة ، وآخره ياء مشددة. وكتاب «مراقي الزّلف»
__________________
(١) الرجام : جمع رجم ، وهو الحجارة التي توضع على القبر ، أو القبر نفسه.
(٢) تحرّد : تنحّى.
(٣) النطاف : جمع نطفة : الماء الصافي.
(٤) في ب : فآثر.
(٥) عارضة الأحوذي : العارضة : قوة الحجة والبيان ، والأحوذي : الرجل المشمر النشيط ، السريع لبلوغ حاجته.