وأحسن مأواهم ، واشتغل مع ابن شهيد وابن حزم بالمباحثة في الآداب ، ونظم الشعر ، والتمسك بتلك الأهداب ، والناس في ذلك الوقت أجهل ما يكون ، وكان جماعة من أهل الشرّ في السجون يتعين أن لا يخرج منهم إنسان ، فأخرج منهم شخصا يقال له أبو عمران ، وقد كان أشار بعض الوزراء عليه بعدم إخراجه ، فأخرجه وخالفه في ذلك ، ولم يقبل النصيحة ، وفعل ما أداه إلى الفضيحة ، فسعى القوم الذين خرجوا من الحبوس على إفساد دولته وإبدال فرحه بالبؤس ، لما اشتغل عنهم بالأدباء والشعراء حسبما اقتضاه رأيه المعكوس ، فسعوا في خلعه مع البرابر ، وقتل في ذي القعدة من السنة التي بويع فيها ، وصار كأمس الدابر ، بعد سبعة وأربعين يوما من يوم بويع بالخلافة ، وإذا أراد الله أمرا فلا يقدر أحد أن يأتي خلافه ، وعمره ثلاث وعشرون سنة كأنها سنة (١).
ومن شعر المستظهر المذكور ، وهو من القريض الممدوح صاحبه بالبلاغة المشكور : [مجزوء الرمل]
طال عمر اللّيل عندي |
|
مذ تولّعت بصدّي |
يا غزالا نقض العه |
|
د ولم يوف بوعد |
أنسيت العهد إذ بت |
|
نا على مفرش ورد |
واعتنقنا في وشاح |
|
وانتظمنا نظم عقد |
ونجوم اللّيل تسري |
|
ذهبا في لازورد |
وكتب إليه شاعر في طرس (٢) مكشوط : [الكامل]
الطّرس مبشور وفيه بشارة |
|
ببقا الإمام الفاضل المستظهر |
ملك أعاد العيش غضّا ملكه |
|
وكذا يكون به طوال الأعصر |
فأجزل صلته ، وكتب في ظهر الورقة : [الوافر]
قبلنا العذر في بشر الكتاب |
|
لما أحكمت في فصل الخطاب |
وقد قدمنا في الباب الثالث شيئا من هذه الأخبار ، وما حصل بعد ذلك بقرطبة إلى أن تولى الأمر ابن جهور في صورة الوزارة ، ثم ابنه ، إلى أن أخذ قرطبة منه المعتمد بن عباد ، حسبما ذكر في أخباره.
__________________
(١) السّنة ـ بكسر العين : الغفلة ، أول النوم.
(٢) الطرس : الصحيفة.