عباد (١) ، وأطمع ابن زيري في التملك ، فأغلق الأبواب في وجه مصطنعه وحاربه ، فقتل من البرابر والسودان خلق كثير ، وابن عباد يضحك على الجميع ، فيئس القاسم ، وقنع أن يخرجوا إليه ابنه وأصحابه ويسير عنهم ، فأخرجوهم إليه ، فسار بهم إلى شريش. وعند ما استقر بها وصل إليه يحيى ابن أخيه من مالقة ومعه جمع عظيم وحاصره في المدينة عشرين يوما كانت فيها حروب صعاب ، وقتل من الفريقين خلق كثير ، وأجلت الحرب عن قهر يحيى لعمه وإسلام أهل شريش له ، وفر سودانه ، وحصل القاسم وابنه في يد يحيى ، وكان قد أقسم أنه إن حصل في يده ليقتلنه ، ولا يتركه حتى يلي الإمامة بقرطبة مرة ثالثة ، فرأى التربّص (٢) في قتله حتى يرى رأيه فيه ، فحدث عنه بعض أصحابه أنه حمله بقيد إلى مالقة ، وحبسه عنده ، وكان كلما سكر وأراد قتله رغّبه ندماؤه في الإبقاء عليه لأنه لا قدرة له على الخلاص ، وكان كلما نام رأى والده عليا في النوم ينهاه عن قتله ، ويقول له : أخي أكبر مني ، وكان محسنا إلي في صغري ومسلما إليّ (٣) عند إمارتي ، الله الله فيه ، وامتدت الحال على ذلك إلى أن قتله خنقا بعد ثلاث عشرة سنة من حين القبض عليه ، لأنه قد كان حبسه في حصن من حصون مالقه ، فنمي إليه أنه قد تحدث مع أهل الحصن في القيام والعصيان فقال : أو بقي في رأسه حديث (٤) بعد هذا العمر؟ فقتله سنة ٤٢٧ ، وبقي أهل قرطبة بعد فرار القاسم عنها نيفا عن عشرين يرون رأيهم فيمن يبايعونه بالإمامة.
ولما كان يوم الثلاثاء نصف شهر رمضان سنة ٤١٤ أحضر المستظهر وسليمان بن المرتضى وأموي آخر معه ، فبايعا المستظهر ، وقبّلا يده بعد ما كان قد كتب عقد البيعة باسم سليمان بن المرتضى على ما ارتضاه الأماثل ، فبشر اسمه ، وكتب اسم المستظهر وركب إلى القصر ، وحمل معه ابني عمه المذكورين فحبسهما ، وكان قد رفع جماعة من الأتباع ذهب بهم العجب كل مذهب ، كأبي عامر بن شهيد المنهمك (٥) في بطالته ، وأبي محمد بن حزم المشهور بالرد على العلماء في مقالته ، وابن عمه عبد الوهاب بن حزم الغزل المترف في حالته ، فأحقد بذلك مشايخ الوزراء والأكابر ، وبادر المستظهر باصطناع البرابر ، وأكرم مثواهم ،
__________________
(١) محمد بن عباد : هو جد المعتمد بن عباد ، عمل أثناء الفتنة على أن تكون له إشبيلية فخضعت له. توفي سنة ٤٣٠ ه.
(٢) التربّص : الانتظار.
(٣) في ب ، ج ، ه : ومسلما لي.
(٤) في ه : حدث.
(٥) في بعض النسخ : المنهتك ، وفي أخرى : المنتهك ، وفي ثالثة : المتمسك.