الأول : في شرفه واستحقاقه لما ذكرنا ، كونه خلقه الله تعالى من أشرف البيوت التي في بلاد المغرب ، وهم بنو سبعين ، قرشيا ، هاشميا ، علويا ، وأبواه وجدوده يشار إليهم ، ويعوّل في الرياسة والحسب والتعين عليهم.
والثاني : كونه من بلاد المغرب ، والنبي عليه السلام قال : «لا يزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة» (١) وما ظهر من بلاد المغرب رجل أظهر منه ، فهو المشار إليه بالحديث ، ثم نقول : أهل المغرب أهل الحق ، وأحق الناس بالحق وأحق المغرب بالحق علماؤه لكونهم القائمين بالقسط ، وأحق علمائه بالحق محققهم وقطبهم الذي يدور الكل عليه ويعول في مسائلهم ونوازلهم السهلة والعويصة عليه فهو حق المغرب ، والمغرب حق الله تعالى ، والملة حق العالم ، فهو المشار إليه بالوراثة ، ثم نقول : أهل المغرب ظاهرون على الحق ، أي على الدين ، والحق سر الدين ، والمحقق سر الحق ، فالمحقق سر الدين ، فهو المشار إليه بالوراثة. ثم نقول : أهل الله خير العالم ، وأهل الحق هم خير أهل الله ، والمحقق خير أهل الحق ، فالمحقق خير العالم ، فهو المشار إليه ، ثم نقول : انظر في بدايته وحفظ الله سبحانه (٢) له في صغره ، وضبطه له من اللهو واللعب ، وإخراجه من اللذة الطبيعية التي هي في جبلّة البشرية ، وتركه للرياسة العرضية المعول عليها عند العالم ، مع كونه وجدها في آبائه ، وهي الآن في إخوته ، وخروجه عن الأهل والوطن الذي قرنه الحق مع قتل الإنسان نفسه ، وانقطاعه إلى الحق انقطاعا صحيحا تعلم تخصيصه وخرقه للعادة ، ثم انظر في تأيده وفتحه من الصغر ، وتأليف كتاب بدء العارف وهو ابن خمس عشرة سنة ، وفي جلالة هذا الكتاب وكونه يحتوي على جميع الصنائع العلمية والعملية ، وجميع الأمور السّنية والسّنية ، تجده خارقا للعادة ، وفي نشأته في بلاد الأندلس ولم يعلم له كثرة نظر وظهوره فيها بالعلوم التي لم تسمع قط تعلم أنه خارق للعادة ، وفي تواليفه واشتمالها على العلوم كلها ، ثم انفرادها وغرابتها وخصوصيتها بالتحقيق الشاذ عن أفهام الخلق تعلم أنه (٣) مؤيد بروح القدس ، وفي شجاعته وقوة عزمه ونصره (٤) لصنائعه وظهور حجته على خصمائه وإقامة حقه وبرهانه وفصاحة كلامه وبيان سلطانه تعلم أن ذلك بقوة إلهية وعناية ربانية ، وفي امتحان أهل المغرب له ، واجتماعهم
__________________
(١) في ب : «لا يزال أهل المغرب ظاهرين إلى قيام الساعة».
(٢) في ب ، ه : وحفظ القديم له في صغره.
(٣) في ب ، ه : بأنه.
(٤) في ب ، ه : وقوة توكله ونصره لصنائعه.