عليه في كل بلد معتبر للمناظرة ، ويظهر الله تعالى حجته ، ويقمع خصمه ، ويكبت عدوه (١) ، ويعجز معارضه ، ويفحم معترضه ، وفي غيرة الحق عليه ، وهلاك من تعرض بالأذى إليه ـ يعلم العاقل المخصوص ، أنه عند الله مخصوص ، وفي خلقه وقهره لقواه النزوعية والغضبية وإسلام قرينه وجلالة قوته الحافظة التي لا تنسى شيئا والمفكرة التي تتصور الذوات المجردة والمعلومة سر عين الطيف (٢) ، وكذلك الذاكرة وسرعة ظهوره وانتشار رايته واستجلاب ثنائه في الجهات كلها ، وبالجملة جميع ما ذكرت فيه هو خارق (٣) للعادة البشرية ، ومعجز لمعارضه من كل الجهات ، ولو لا خوف التطويل لكنت أفصّل كل صفة ذكرت فيه بالكلام الصناعي ، ونقيم الأدلة القطعية على تعجيزها ، ولكن أعطيت الأنموذج ، وعرفت أن النبيه يمعن فكره ، ويجد ذلك كله (٤) كما قلته ، وبالجملة جميع جزئياته إذا تؤملت توجد خارقة للعادة ، وتشهد لها ماهية الوجود بالتخصيص ، فصح أنه هو المشار إليه ، والمعول في جملة الأمور عليه ، وإنما أعطيت الأمر المشهور ، وتركت ما يعلم منه من خرق العوائد في ظهور الطعام والشراب والسمن والتمر وأخذ الدراهم من الكون ، وإخباره عن وقائع قبل وقوعها بسنين كثيرة وظهرت كما أخبر ، فصح أنه هو المذكور ، انتهى ما تعلق به الغرض مما في الرسالة في شأن الشيخ ابن سبعين.
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين ـ ومنهم لسان الدين بن الخطيب في «الإحاطة» كما سيأتي قريبا ـ أن ابن سبعين عاقه الخوف من أمير المدينة عن القدوم إليها ، فعظم عليه بذلك الحمل ، وقبحت الأحدوثة عنه ، انتهى.
لكن قال شهاب الدين بن أبي حجلة التلمساني الأديب الشهير ، وهو صاحب كتاب السكردان وديوان الصبابة ومنطق الطير والاعتراض على العارف بالله تعالى ابن الفارض ، ما معناه : أخبرني الشيخ الصالح أبو الحسن بن برغوش التلمساني شيخ المجاورين بمكة وكانت له معرفة تامة بهذا الرجل ، أنه صده عن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا قرب من باب من أبواب مسجد المدينة على ساكنها الصلاة والسلام يهراق منه دم كدم الحيض (٥) ، والله تعالى أعلم بحقيقة أمره ، انتهى.
وقال غيره : نعم زار النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا على طريق المشاة ، حدّث بذلك أصهاره بمكة ، انتهى.
__________________
(١) كبت عدوه : أذله ، أهلكه.
(٢) هكذا في ج ، وفي ب ، ه : «وأسرعين الطيف» وهو غير مفهوم ولعله محرّف عن «أسرع من الطيف».
(٣) في ب ، ه : جميع ما ذكرت هو فيه خارق للعادة البشرية.
(٤) كله : غير موجودة في ب.
(٥) يهراق ، ويراق : يصب ، يسفك ، يسيل.