فتهافتوا بهذا البيت ، وراموا إجازته ، فقال ابن أبي الأصبغ : [بحر السريع]
فقال دعني لم أزل محنقا |
|
على لحاظ الرشإ الأكحل |
وكان أمثل ما حضرهم ، ثم أبوا أن يجيزه غيره ، فقال : [بحر السريع]
قابل جفونا بجفون ، ولا |
|
تبتذل الأرفع بالأسفل |
ثم استدعاه سيف الدين بن سابق إلى مجلس بضفّة النيل مبسوط بالورد ، وقد قامت حوله شمامات نرجس ، فقال في ذلك : [بحر السريع]
من فضّل النرجس فهو الذي |
|
يرضى بحكم الورد إذ يرأس |
أما ترى الورد غدا قاعدا |
|
وقام في خدمته النرجس |
ووافق ذلك مماليك الترك وقوفا في الخدمة ، على عادة المشارقة فطرب الحاضرون.
ولقي بمصر أيدمر التركي والبهاء زهيرا وجمال الدين بن مطروح وابن يغمور وغيرهم ، ورحل صحبة كمال الدين بن العديم (١) إلى حلب ، فدخل على الناصر صاحب حلب ، فأنشده قصيدة أولها : [بحر الكامل]
جد لي بما لقي (٢) الخيال من الكرى |
|
لا بد للضيف الملمّ من القرى(٣) |
فقال كمال الدين : هذا رجل عارف ، ورّى بمقصوده من أول كلمة ، وهي قصيدة طويلة ، فاستجلسه (٤) السلطان ، وسأله عن بلاده ومقصوده برحلته ، وأخبره أنه جمع كتابا في الحلى البلادية والعلى العبادية المختصة بالمشرق ، وأخبره أنه سماه «المشرق ، في حلى المشرق» وجمع مثله فسماه «المغرب ، في حلى المغرب» فقال : نعينك بما عندنا من الخزائن ، ونوصلك إلى ما ليس عندنا كخزائن الموصل وبغداد ، وتصنف لنا ، فخدم على عادتهم ، وقال : أمر مولاي بذلك إنعام وتأنيس ، ثم قال له السلطان مداعبا : إن شعراءنا ملقبون بأسماء الطيور ، وقد اخترت لك لقبا يليق بحسن صوتك وإيرادك للشعر ، فإن كنت ترضى به ، وإلا لم نعلم به أحدا غيرنا (٥) ، وهو البلبل ، فقال : قد رضي المملوك يا خوند ، فتبسّم السلطان. وقال له أيضا
__________________
(١) ابن العديم : هو عمر بن أحمد كمال الدين أبو القاسم.
(٢) في ب : «ألقى».
(٣) الضيف الملمّ : الضيف الزائر. والقرى ـ بكسر القاف ـ ما يقدم للضيف من الألطاف.
(٤) استجلسه : طلب إليه أن يجلس.
(٥) في ه : «وإلا لم يعلمه غيرنا».