أتت دونها الأحقاب حتى تخالها |
|
سرابا بآفاق الزجاجة يلعب |
نعمنا بها واليوم قد رق برده (١) |
|
إلى أن رأينا الشمس عنا تغرّب |
فقالوا ألا هاتوا السراج فكل من |
|
درى قدر ما في الكأس أقبل يعجب |
وقال ألا تدرون ما في كؤوسكم |
|
فلا كأس إلا وهو في الليل كوكب |
كواكب أمست بين شرب ولم نخل |
|
بأن النجوم الزهر تدنو وتغرب |
ظللنا عليها عاكفين وليلنا |
|
نهار إلى أن صاح بالأيك مطرب |
فلم نثن عن دين الصّبوح عناننا |
|
إلى أن غدا من ليس يعرف يندب (٢) |
صرعنا فأمسى يحسب السكر قد قضى |
|
علينا وذاك السكر أشهى وأعجب |
وكم ليلة في إثر يوم وعذّلي |
|
وعذّل من يصغي لقولي خيّب |
فيا ليت ما ولى معاد نعيمه |
|
وأي نعيم عند من يتغرب |
قال : وقلت بإشبيلية ذاكرا لوادي الطّلح ، وهو بشرق إشبيلية ملتف الأشجار ، كثير مترنم الأطيار ، وكان المعتمد بن عباد كثيرا ما ينتابه مع رميكيّته (٣) ، وأولي أنسه ومسرته : [بحر السريع]
سائل بوادي الطّلح ريح الصّبا |
|
هل سخّرت لي في زمان الصّبا |
كانت رسولا فيه ما بيننا |
|
لن نأمن الرّسل ولن نكتبا |
يا قاتل الله أناسا إذا |
|
ما استؤمنوا خانوا ، فما أعجبا |
هلا رعوا أنا وثقنا بهم |
|
وما اتخذنا عنهم مذهبا |
يا قاتل الله الذي لم يتب |
|
من غدرهم من بعد ما جرّبا |
واليمّ لا يعرف ما طعمه |
|
إلا الذي وافى لأن يشربا(٤) |
دعني من ذكر الوشاة الألى |
|
لما يزل فكري بهم ملهبا |
واذكر بوادي الطلح عهدا لنا |
|
لله ما أحلى وما أطيبا |
بجانب العطف وقد مالت الأغ |
|
صان والزهر يبثّ الصّبا(٥) |
__________________
(١) رقّ برده : كان لطيفا ناعما.
(٢) عذّل : جمع عاذل ، وجموع عاذل ، عذّل وعذّال. وخيّب : جمع خائب.
(٣) الرميكية : زوجة المعتمد بن عباد. ولها قصص طريفة معه.
(٤) اليم : لجة البحر.
(٥) يبث : ينشر ، والصبا : الريح الشرقية ، وهي ريح ناعمة منعشة.