وأمّا ما يرد على الفسطاط من متاجر البحر الإسكندراني والبحر الحجازي فإنه فوق ما يوصف ، وبه مجمع ذلك ، لا بالقاهرة ، ومنها يجهز إلى القاهرة وسائر البلاد.
وبالفسطاط مطابخ السكر والصابون ومعظم ما يجري هذا المجرى ، لأن القاهرة بنيت للاختصاص بالجند ، كما أن جميع زي الجند بالقاهرة أعظم منه بالفسطاط ، وكذلك ما ينسج ويصاغ وسائر ما يعمل من الأشياء الرفيعة السلطانية ، والخراب في الفسطاط كثير ، والقاهرة أجد وأعمر وأكثر زحمة ، باعتبار انتقال السلطان إليها ، وسكنى الأجناد فيها ، وقد نفخ روح الاعتناء والنمو في مدينة الفسطاط الآن ، لمجاورتها للجزيرة الصالحية ، وكثير من الجند قد انتقل إليها للقرب من الخدمة ، وبنى على سورها جماعة منهم مناظر تبهج الناظر ، انتهى.
قال المقريزي : يعني ابن سعيد ما بني على شقة (١) مصر من جهة النيل ، انتهى.
وقال ابن سعيد المذكور في «المغرب ، من حلى المغرب» ما ملخصه : الروضة أمام الفسطاط فيما بينها وبين مناظر الجيزة ، وبها مقياس النيل ، وكانت منتزها لأهل مصر ، فاختارها الملك الصالح بن الملك الكامل سرير السلطنة (٢) ، وبنى فيها قلعة مسورة ساطع اللون محكم البناء عالي السّمك لم تر عيني أحسن منه ، وفي هذه الجزيرة كان الهودج الذي بناه الخليفة الآمر لزوجته البدوية التي هام في حبها ، والمختار بستان الإخشيد وقصره ، وله ذكر في شعر تميم بن المعز وغيره ، ولشعراء مصر في هذه الجزيرة أشعار ، منها قول أبي الفتح بن قادوس الدمياطي : [بحر الوافر]
أرى سرج الجزيرة من بعيد |
|
كأحداق تغازل في المغازل |
كأن مجرة الجوزاء خطّت |
|
وأثبتت المنازل في المنازل |
قال : وكنت أبيت بعض الليالي بالفسطاط ، فيزدهيني ضحك البدر في وجه النيل مع سور هذه الجزيرة الدري اللون ، ولم أنفصل عن مصر حتى كمل سور [هذه] القلعة ، وفي داخله من الدور السلطانية ما ارتفعت إليه همة بانيها ، وهو من أعظم السلاطين في البناء ، وأبصرت بهذه الجزيرة إيوانا لجلوسه لم تر عيني مثاله (٣) ، لا يقدّر ما أنفق عليه ، وفيه من صحائف الذهب والرخام الآبنوسي والكافوري والمجزّع ما يذهل الأفكار ، ويستوقف الأبصار ، ويفضل عما
__________________
(١) في ب ، ه : «على شفة مصر».
(٢) في ب ، ه : «سريرا لسلطنته».
(٣) في ب : «ولا يقدّر».