أحاط به السور أرض طويلة في بعضها حاظر حصر فيه أصناف الوحوش التي يتفرج عليها السلطان ، وبعدها مروج تنقطع فيها مياه النيل فتنظر فيها أحسن منظر ، قال : وقد تفرجت كثيرا في طرف (١) هذه الجزيرة مما يلي أثر الفسطاط فقطعت به عشيات مذهبات ، لم تزل لأحزان الغربة مذهبات ، وإذا زاد النيل فصل برها عن بر الفسطاط من جهة خليج القاهرة ، ويبقى موضع الجسر تكون فيه المراكب ، انتهى.
وأورد الصفدي في تذكرته لابن سعيد المذكور في هذه الجزيرة : [بحر الكامل]
انظر إلى سور الجزيرة في الدّجى |
|
والبدر يلثم منه ثغرا أشنبا |
تتضاحك الأنوار في جنباته |
|
فتريك فوق النيل أمرا معجبا |
بينا تراه مفضّضا في جانب |
|
أبصرت منه في سواه مذهبا |
لله مرأى ما رآه ناظري |
|
إلا خلعت له المقام تطربا |
وقال في «المغرب» نقلا عن بعضهم ما صورته : وأما مدينة القاهرة ، فهي الحالية الباهرة ، التي تفنن فيها الفاطميون وأبدعوا في بنائها ، واتخذوها قطبا لخلافتهم ومركزا لأرجائها ، فنسي الفسطاط ، وزهد فيه بعد الاغتباط ، وسميت القاهرة لأنها (٢) تقهر من شذ [عنها] ورام مخالفة أميرها. قال ابن سعيد : هذه المدينة اسمها أعظم منها ، وكان ينبغي أن تكون في ترتيبها ومبانيها على خلاف ما عاينته ، لأنها مدينة بناها المعز أعظم خلفاء العبيديين ، وكان سلطانه قد عم جميع طول المغرب من أوّل الديار المصرية إلى البحر المحيط : [بحر الطويل]
وسارت مسير الشمس في كل بلدة |
|
وهبّت هبوب الريح في البر والبحر |
لا سيما وقد عاين مباني أبيه المنصور في مدينة المنصورية (٣) إلى جانب القيروان ، وعاين المهدية مدينة جدّه عبيد الله المهدي ، لكن الهمة السلطانية ظاهرة على قصور الخلفاء بالقاهرة ، وهي ناطقة إلى الآن بألسن الآثار ، ولله در القائل :
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها |
|
من بعدهم فبألسن البنيان |
إن البناء إذا تعاظم شأنه |
|
أضحى يدل على عظيم الشان |
وتهمم من بعده الخلفاء المصريون في الزيادة في تلك القصور ، وقد عاينت فيها إيوانا
__________________
(١) في ج : «في طرق هذه الجزيرة».
(٢) في ب : «انتهى».
(٣) في ب ، ه : «المدينة المنصورية».