واصبر على خلق من تعاشره |
|
وداره فاللبيب من دارا (١) |
واتخذ الناس كلهم سكنا |
|
ومثّل الأرض كلّها دارا |
واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر ، وسلّم الكرم والصبر : [بحر الكامل]
ولو ان أوطان الديار نبت بكم |
|
لسكنتم الأخلاق والآدابا |
إذ حسن الخلق أكرم نزيل ، والأدب أرحب منزل ، ولتكن كما قال بعضهم (٢) في أديب متغرّب : وكان كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد ، وإليه قصد ، غير مستريب (٣) بدهره ، ولا منكر شيئا من أمره ، وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلما ، وهبّ في روض أخلاقه هبوب النسيم ، وحلّ بطرفه حلول (٤) الوسن (٥) ، وانزل بقلبه نزول المسرة ، حتى يتمكن لك وداده ، ويخلص فيك اعتقاده ، وطهر من الوقوع [فيه] لسانك ، وأغلق سمعك ، ولا ترخّص في جانبه لحسود لك منه ، يريد إبعادك عنه ، لمنفعته ، أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك ، ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ، ولا تتمهد بدوام رقدته ، فقد ينبهه الزمان ، ويغير منه القلب واللسان ، ولذا قيل : إذا أحببت فأحبب هونا ما ، ففي الممكن أن ينقلب الصديق عدوّا والعدوّ صديقا ، وإنما العاقل من جعل عقله معيارا ، وكان كالمرآة يلقى كل وجه بمثاله ، وجعل نصب ناظره قول أبي الطيب : [بحر الوافر]
ولما صار ودّ الناس خبّا (٦) |
|
جزيت على ابتسام بابتسام |
وفي أمثال العامة : من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل ، فاحتذ بأمثلة (٧) من جرّب ، واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال ، فإنها خلاصة عمرهم ، وزبدة تجاربهم ، ولا تتكل على عقلك ، فإن النظر فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غاليا بتجاربهم يربحك ، ويقع عليك رخيصا ، وإن رأيت من له مروءة وعقل وتجربة فاستفد منه ، ولا تضيع قوله ولا فعله (٨) ، فإن فيما تلقاه تلقيحا لعقلك ، وحثّا لك واهتداء ، وإياك أن تعمل بهذا البيت في كل موضع : [الكامل]
__________________
(١) في ب : «دارى».
(٢) في ب ، ه : «كما قال أحدهم».
(٣) مستريب : متشكك.
(٤) في ب ، ه : «محلّ الوسن».
(٥) الوسن : النعاس.
(٦) خبّا : الخبّ : الخبث ، والخداع ، والغش.
(٧) في ب : «فاحتذ مثله».
(٨) في ب : «فعله ولا قوله».