ومكانه ، وثبت أساسه وأركانه! ـ قد كسي ببردة الازدهاء ، وجلي في معرض البهاء ، كأن شرفاته فلول في سنان ، أو أشر في أسنان ، وكأنما ضربت في سمائه كلل ، أو خلعت على أرجائه حلل ، وكأن الشمس خلفت فيه ضياءها ، ونسجت على أقطارها أفياءها ، فترى نهارا قد أحدق به ليل ، كما أحدق بربوة سيل ، ليل دامس ، ونهار شامس ، وللذّبال (١) تألق كنضنضة الحيات (٢) ، أو إشارة السبابات في التحيات ، قد أترعت من السليط كؤوسها ، ووصلت بمحاجن الحديد رؤوسها ، ونيطت بسلاسل كالجذوع القائمة ، أو كالثعابين العائمة ، عصبت بها تفاح من الصّفر ، كاللّقاح (٣) الصفر : بولغ في صقلها وجلائها ، حتى بهرت بحسنها ولألائها ، كأنها جليت باللهب ، وأشربت ماء الذهب ، إن سمتّها (٤) طولا رأيت منها سبائك عسجد ، أو قلائد زبرجد ، وإن أتيتها (٥) عرضا رأيت منها أفلاكا ولكنها غير دائرة ، ونجوما ولكنها ليست بسائرة ، تتعلق تعلق القرط من الذّفرى (٦) ، وتبسط شعاعها بسط الأديم حين يفرى ، والشمع قد رفعت على المنار رفع البنود ، وعرضت عليها عرض الجنود ، ليجتلي طلاقة روائها القريب والبعيد ، ويستوي في هداية ضيائها الشقي والسعيد ، وقد قوبل منها مبيضّ بمحمر ، وعورض مخضر بمصفر ، تضحك ببكائها وتبكي بضحكها ، وتهلك بحياتها وتحيي بهلكها ، والطيب تفغم أفواحه ، وتتنسم أرواحه ، وقتار الألنجوج والند (٧) ، يسترجع من روح الحياة ما ندّ (٨) ، وكلما تصاعد وهو محاصر ، أطال من العمر ما كان تقاصر ، في صفوف مجامر ، ككعوب مقامر ، وظهور القباب مؤللة ، وبطونها مهللة ، كأنها تيجان ، رصّع فيها ياقوت ومرجان ، قد قوس محرابها أحكم تقويس ، ووشم بمثل ريش الطواويس ، حتى كأنه بالمجرة مقرطق ، وبقوس قزح ممنطق ، وكأن اللازورد حول وشومه ، وبين رسومه ، نتف من قوادم الحمام ، أو كسف من ظلل الغمام ، والناس أخياف (٩) في دواعيهم ، وأوزاع (١٠) في أغراضهم ومراميهم ،
__________________
(١) الذبال : جمع ذبالة وهي الفتيلة.
(٢) النضنضة : نضنض لسانه : حركه ، ونضنض : قلق. وكلا المعنيين يمكن انطباقه على الحيات.
(٣) في ب : كاللّفّاح.
(٤) في ب : سامتها.
(٥) في ب : وإن جئتها.
(٦) الذفرى : الأذن.
(٧) الألنجوج : واليلنجج : العود الطيب الرائحة. والند : عود يتبخّر به.
(٨) الروح ، بفتح الراء وسكون الواو : الفرح والسرور ، وطيب الأيام. وندّ : غاب وابتعد.
(٩) أخياف : مختلفون.
(١٠) أوزاع : مختلفون.