و (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) حال من (الْبُشْرى). والمعنى : أنهم يبشرون بخيرات قبل حصولها : في الدنيا بما يتكرر من البشارات الواردة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وفي الآخرة بما يتلقونه من الملائكة وما يسمعونه من أمر الله بهم إلى النعيم المقيم ، كقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) [البقرة : ٢٥].
وروى الترمذي عن أبي الدرداء أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فقال : «ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» قال الترمذي : وليس فيه عطاء بن يسار أي ليس في الحديث أن أبا صالح يرويه عن عطاء بن يسار كما هو المعروف في رواية أبي صالح إلى أبي الدرداء ، وعليه فالحديث منقطع غير متصل السند. وقد رواه الترمذي بسندين آخرين فيهما عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء وذلك سند فيه مجهول ، فحالة إسناد هذا الخبر مضطربة لظهور أن عطاء لم يسمعه من أبي الدرداء.
ومحمل هذا الخبر أن الرؤيا الصالحة من جملة البشرى في الحياة الدنيا لأنها تؤذن صاحبها بخير مستقبل يحصل في الدنيا أحرى الآخرة ، أو كأن السائل سأل عن بشرى الحياة فأما بشرى الآخرة فكانت معروفة بقوله : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) [التوبة : ٢١] الآية ونحوها من الآيات.
وفي «الموطأ» عن هشام بن عروة عن أبيه كان يقول في هذه الآية (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) قال : هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له. ومن البشرى الوعد بأن لهم عاقبة النصر على الأعداء ، وتمكينهم من السلطان في الدنيا ، وأن لهم النعيم الخالد في الآخرة. ومقابلة الحزن بالبشرى من محسنات الطباق.
وجملة : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) مبينة لمعنى تأكيد الوعد الذي تضمنه قوله : لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، تذكيرا لهم بأن ما وعدهم الله به من البشائر مثل النصر وحسن العاقبة أمر ثابت لا يتخلف لأنه من كلمات الله ، وقد نفي التبديل بصيغة التبرئة الدالة على انتفاء جنس التبديل.
والتبديل : التغيير والإبطال ، لأن إبطال الشيء يستلزم إيجاد نقيضه.
و (لِكَلِماتِ اللهِ) الأقوال التي أوحى بها إلى الرسول في الوعد المشار إليه ، ويؤخذ من عموم (لِكَلِماتِ اللهِ) وعموم نفي التبديل أن كل ما هو تبديل منفي من أصله.