وصف من أوصاف الذوات أو المعاني أقوى فيه منه في أمثاله من نوعه ، فقد يكون مدحا كقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥] ، ويكون ذما كقوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [الكهف : ٥] ، ويستعار الكبر للمشقة والحرج ، كقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) [الشورى : ١٣] وقوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) [الأنعام : ٣٥] وكذلك هنا.
والمقام مصدر ميمي مرادف للقيام. وقد استعمل هنا في معنى شأن المرء وحاله كما في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦] ، وقوله : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) [مريم : ٧٣] أي خير حالة وشأنا. وهو استعمال من قبيل الكناية ، لأن مكان المرء ومقامه من لوازم ذاته ، وفيهما مظاهر أحواله.
وخص بالذكر من أحواله فيهم تذكيره إياهم بآيات الله ، لأن ذلك من أهم شئونه مع قومه ، فعطفه من عطف الخاص على العام. فمعنى : (كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي) سئمتم أحوالي معكم وخاصة بتذكيري بآيات الله.
وتجهم الحق على أمثالهم شنشنة المتوغلين في الفساد المأسورين للهوى إذ تقع لديهم الدعوة إلى الإقلاع عنه والتثويب بهم إلى الرشاد موقعا مرّ المذاق من نفوسهم ، شديد الإيلام لقلوبهم ، لما في منازعة الحق نفوسهم من صولة عليها لا يستطيعون الاستخفاف بها ولا يطاوعهم هواهم على الإذعان إليها ، فيتورطون في حيرة ومنازعة نفسانية تثقل عليهم ، وتشمئز منها نفوسهم ، وتكدر عليهم صفو انسياقهم مع هواهم. وإضافة التذكير إلى ضميره من إضافة المصدر إلى فاعله.
والباء في (بِآياتِ اللهِ) لتأكيد تعدية المصدر إلى مفعوله الثاني ، والمفعول الأول محذوف ، والتقدير : تذكيري إياكم.
و (بِآياتِ اللهِ) مفعول ثان للتذكير. يقال : ذكرته أمرا نسيه ، فتعديته بالباء لتأكيد التعدية كقوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [إبراهيم : ٥] ، وقول مسور بن زيادة الحارثي :
أذكّر بالبقيا على من أصابني |
|
وبقياي أني جاهد غير مؤتلي |
ولذلك قالوا في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] أن الباء لتأكيد اللصوق أي لصوق الفعل بمفعوله.
وآيات الله : دلائل فضله عليهم ، ودلائل وحدانيته ، لأنهم لما أشركوا بالله فقد نسوا