بحيث هو يغريهم بأخذ الأهبة التامة لمقاومته. وزاد ذكر شركائهم للدلالة على أنه لا يخشاها لأنها في اعتقادهم أشد بطشا من القوم ، وذلك تهكم بهم ، كما في قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) [الأعراف : ١٩٥].
وعطف جملة : (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) ب (ثُمَ) الدالة على التراخي في الرتبة لما تتضمنه الجملة الثانية من الترقي في قلة مبالاته بما يهيئونه له من الضر بحيث يتصدى لهم تصدي المشير بما يسهل لهم البلوغ إلى الإضرار به الذي ينوونه وإزالة العوائق الحائلة دون مقصدهم. وجاء بما ظاهره نهي أمرهم عن أن يكون غمة عليهم مبالغة في نهيهم عن التردد في تبين الوصول إلى قصدهم حتى كأنّ شأنهم هو المنهي عن أن يكون التباسا عليهم ، أي اجتهدوا في أن لا يكون ذلك.
والغمة : اسم مصدر للغم. وهو الستر. والمراد بها في مثل هذا التركيب الستر المجازي ، وهو انبهام الحال ، وعدم تبين السداد فيه ، ولعل هذا التركيب جرى مجرى المثل فقد قال طرفة من قبل :
لعمرك ما أمري علي بغمة |
|
نهاري ولا ليلي علي بسرمد |
وإظهار لفظ الأمر في قوله : (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) مع أنه عين الذي في قوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) لكون هذا التركيب مما جرى مجرى المثل فيقتضي أن لا تغير ألفاظه.
و (ثم) في قوله : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) للتراخي في الرتبة ، فإن رتبة إنفاذ الرأي بما يزعمون عليه من أذاه أقوى من تدبير ذلك ، ومن رتبة إجماع الرأي عليه فهو ارتقاء من الشيء إلى أعلى منه ، فعطف ب (ثم) التي تفيد التراخي في الرتبة في عطفها الجمل.
و (اقْضُوا) أمر من القضاء ، فيجوز أن يكون من القضاء بمعنى الإتمام والفصل ، أي انفذوا ما ترونه من الإضرار بي. ويجوز أن يكون من القضاء بمعنى الحكم ، وهو قريب من الوجه الأول ، أي أنفذوا حكمكم.
وعدي ب (إلى) دون (على) لأنه ضمن معنى الإبلاغ والإيصال تنصيصا على معنى التنفيذ بالفعل ، لأن القضاء يكون بالقول فيعقبه التنفيذ أو الإرجاء أو العفو ، ويكون بالفعل ، فهو قضاء بتنفيذ. ويسمى عند الفقهاء بالقضاء الفعلي.
وقوله : (وَلا تُنْظِرُونِ) تأكيد المدلول التضمين المشار إليه بحرف (إلى). والإنظار