فليس معنى الآية أن من أراد الحياة وزينتها أعطاه الله مراده لأن ألفاظ الآية لا تفيد ذلك لقوله : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) ، فالتوفية : عدم النقص. وعلقت بالأعمال وهي المساعي. وإضافة الأعمال إلى ضمير (هُمْ) تفيد أنها الأعمال التي عنوا بها وأعدّوها لصالحهم أي نتركها لهم كما أرادوا لا ندخل عليهم نقصا في ذلك. وهذه التوفية متفاوتة والقدر المشترك فيها بينهم هو خلوّهم من كلف الإيمان ومصاعب القيام بالحق والصبر على عصيان الهوى ، فكأنه قيل نتركهم وشأنهم في ذلك.
وقوله : (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي في الدنيا لا يجازون على كفرهم بجزاء سلب بعض النعم عنهم بل يتركون وشأنهم استدراجا لهم وإمهالا. فهذا كالتكملة لمعنى جملة نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) ، إذ البخس هو الحط من الشيء والنقص منه على ما ينبغي أن يكون عليه ظلما. وفي هذه الآية دليل لما رآه الأشعري أنّ الكفر لا يمنع من نعمة الله.
وضمير (فِيها) يجوز أن يعود إلى (الْحَياةَ) وأن يعود إلى (الأعمال).
وجملة (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) مستأنفة ، ولكن اسم الإشارة يربط بين الجملتين ، وأتي باسم الإشارة لتمييزهم بتلك الصفات المذكورة قبل اسم الإشارة. وفي اسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليه استحق ما يذكر بعد اختياره من الحكم من أجل الصفات التي ذكرت قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥].
و (إِلَّا النَّارُ) استثناء مفرّغ من (لَيْسَ لَهُمْ) أي ليس لهم شيء ممّا يعطاه الناس في الآخرة إلّا النار. وهذا يدل على الخلود في النار فيدل على أن هؤلاء كفار عندنا.
والحبط : البطلان أي الانعدام.
والمراد ب (ما صَنَعُوا) ما عملوا ، ومن الإحسان من الدنيا كإطعام العفاة ونحوه من مواساة بعضهم بعضا ، ولذلك عبر هنا ب (صَنَعُوا) لأنّ الإحسان يسمى صنيعة.
وضمير (فِيها) يجوز أن يعود إلى (الدُّنْيا) المتحدث عنها فيتعلق المجرور بفعل (صَنَعُوا). ويجوز أن يعود إلى (الْآخِرَةِ) فيتعلق المجرور بفعل (بطل) ، أي انعدم أثره. ومعنى الكلام تنبيه على أن حظهم من النعمة هو ما يحصل لهم في الدنيا وأن رحمة الله بهم لا تعدو ذلك. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر لما ذكر له فارس والروم وما هم فيه من المتعة «أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا».