و (عليك) يتعلق (بسلام) و (بركات) وكذلك (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ).
والأمم : جمع أمة. والأمة : الجماعة الكثيرة من الناس التي يجمعها نسب إلى جدّ واحد. يقال : أمّة العرب ، أو لغة مثل أمة الترك ، أو موطن مثل أمة أمريكا ، أو دين مثل الأمة الإسلامية ، ف (أُمَمٍ) دال على عدد كثير من الأمم يكون بعد نوح ـ عليهالسلام ـ. وليس الذين ركبوا في السفينة أمما لقلة عددهم لقوله : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠]. وتنكير (أُمَمٍ) لأنّه لم يقصد به التعميم تمهيدا لقوله : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ).
و (من) في (مِمَّنْ مَعَكَ) ابتدائية ، و (من) الموصولة صادقة على الذين ركبوا مع نوح ـ عليهالسلام ـ في السفينة. ومنهم ابناؤه الثلاثة. فالكلام بشارة لنوح ـ عليهالسلام ـ ومن معه بأن الله يجعل منهم أمما كثيرة يكونون محلّ كرامته وبركاته. وفيه إيذان بأن يجعل منهم أمما بخلاف ذلك ، ولذلك عطف على هذه الجملة قوله : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ).
وهذا النظم يقتضي أن الله بدأ نوحا بالسلام والبركات وشرّك معه فيهما أمما ناشئين ممن هم معه ، وفيهم الناشئون من نوح ـ عليهالسلام ـ لأن في جملة من معه أبناءه الثلاثة الذين انحصر فيهم نسله من بعده. فتعين أن الذين معه يشملهم السلام والبركات بادئ بدء قبل نسلهم إذ عنون عنهم بوصف معية نوح ـ عليهالسلام ـ تنبيها على سبب كرامتهم. وإذ كان التنويه بالناشئين عنهم إيماء إلى أن اختصاصهم بالكرامة لأجل كونهم ناشئين عن فئة مكرمة بمصاحبة نوح ـ عليهالسلام ـ ، فحصل تنويه نوح ـ عليهالسلام ـ وصحبته ونسلهم بطريق إيجاز بديع.
وجملة (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) إلخ ، عطف على جملة (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) إلى آخرها ، وهي استئناف بياني لأنّها تبيين لما أفاده التنكير في قوله : (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) من الاحتراز عن أمم آخرين. وهذه الواو تسمى استينافية وأصلها الواو العاطفة وبعضهم يرجعها إلى الواو الزائدة ، ويجوز أن تكون الواو للتقسيم ، والمقصود : تحذير قوم نوح من اتباع سبيل الذين أغرقوا ، والمقصود من حكاية ذلك في القرآن التعريض بالمشركين من العرب فإنّهم من ذريّة نوح ولم يتبعوا سبيل جدّهم ، فأشعروا بأنّهم من الأمم التي أنبأ الله نوحا بأنه سيمتعهم ثم يمسهم عذاب أليم. ونظير هذا قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء : ٣] أي وكان المتحدث عنهم غير شاكرين للنعمة.
وإطلاق المس على الإصابة القوية تقدّم عند قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ