بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقا.
ولذلك عطف على ذلك قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بفاء التفريع عاطفة استفهاما إنكاريا عن عدم تعقلهم ، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم. والعقل : العلم.
وعطف جملة (وَيا قَوْمِ) مثل نظيرها في قصة نوح ـ عليهالسلام ـ آنفا.
والاستغفار : طلب المغفرة للذنب ، أي طلب عدم المؤاخذة بما مضى منهم من الشرك ، وهو هنا مكنى به عن ترك عقيدة الشرك ، لأن الاستغفار الله يستلزم الاعتراف بوجوده ويستلزم اعتراف المستغفر بذنب في جانبه ولم يكن لهم ذنب قبل مجيء هود ـ عليهالسلام ـ إليهم غير ذنب الإشراك إذ لم يكن له شرع من قبل. وأما ذنب الإشراك فهو متقرر من الشرائع السابقة جميعها فكان معلوما بالضرورة فكان الأمر بالاستغفار جامعا لجميع هذه المعاني تصريحا وتكنية.
والتوبة : الإقلاع عن الذنب في المستقبل والندم على ما سلف منه. وفي ماهية التوبة العزم على عدم العود إلى الذنب فيؤول إلى الأمر بالدّوام على التوحيد ونفي الإشراك.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي ، لأن الدوام على الإقلاع أهم من طلب العفو عمّا سلف.
و (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ) جواب الأمر من (اسْتَغْفِرُوا).
والإرسال : بعث من مكان بعيد فأطلق الإرسال على نزول المطر لأنه حاصل بتقدير الله فشبّه بإرسال شيء من مكان المرسل إلى المبعوث إليه.
والسماء من أسماء المطر تسمية للشيء باسم مصدره. وفي الحديث : «خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أثر سماء».
و (مِدْراراً) حال من السماء صيغة مبالغة من الدرور وهو الصبّ ، أي غزيرا. جعل جزاءهم على الاستغفار والتوبة إمدادهم بالمطر لأنّ ذلك من أعظم النّعم عليهم في الدنيا إذ كانت عاد أهل زرع وكروم فكانوا بحاجة إلى الماء ، وكانوا يجعلون السّداد لخزن الماء. والأظهر أن الله أمسك عنهم المطر سنين فتناقص نسلهم ورزقهم جزاء على الشرك بعد أن أرسل إليهم هودا ـ عليهالسلام ـ ؛ فيكون قوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ) وعدا وتنبيها على غضب الله عليهم ، وقد كانت ديارهم من حضر موت إلى الأحقاف مدنا وحللا وقبابا.