للاهتمام بذكر ذلك الوقت الذي تتلى فيه الآيات عليهم فيقولون فيه هذا القول تعجيبا من كلامهم ووهن أحلامهم.
ولكون العامل في الظرف فعلا ماضيا علم أن قولهم هذا واقع في الزمن الماضي ، فكانت إضافة الظرف المتعلق به إلى جملة فعلها مضارع وهو (تُتْلى) دالة على أن ذلك المضارع لم يرد به الحال أو الاستقبال إذ لا يتصور أن يكون الماضي واقعا في الحال أو الاستقبال فتعين أن اجتلاب الفعل المضارع لمجرد الدلالة على التكرر والتجدد ، أي ذلك قولهم كلما تتلى عليهم الآيات.
وما صدق (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) هو ما صدق الضمير في قوله : (عليهم) ، فكان المقام للإضمار ، فما كان الإظهار بالموصولية إلا لأن الذين لا يرجون لقاء الله اشتهر به المشركون فصارت هذه الصلة كالعلم عليهم. كما أشرنا إليه عند قوله آنفا (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) [يونس : ٧] ، وليس بين الصلة وبين الخبر هنا علاقة تعليل فلا يكون الموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر.
ولما كان لاقتراحهم معنى صريح ، وهو الإتيان بقرآن آخر أو تبديل آيات القرآن الموجود ، ومعنى التزامي كنائي ، وهو أنه غير منزل من عند الله وأن الذي جاء به غير مرسل من الله ، كان الجواب عن قولهم جوابين ، أحدهما : ما لقنه الله بقوله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) وهو جواب عن صريح اقتراحهم ، وثانيهما : ما لقنه بقوله : قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) [يونس : ١٦] وهو جواب عن لازم كلامهم.
وعن مجاهد تسمية أناس ممن قال هذه المقالة وهم خمسة : عبد الله بن أمية ، والوليد بن المغيرة ، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس ، والعاص بن عامر ، قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة الأصنام واللات والعزى ومناة وهبل ، وليس فيه عيبها.
وقد جاء الجواب عن اقتراحهم كلاما جامعا قضاء لحق الإيجاز البديع ، وتعويلا على أن السؤال يبين المراد من الجواب ، فأحسوا بامتناع تبديل القرآن من جهة الرسولصلىاللهعليهوسلم. وهذا جواب كاف ، لأن التبديل يشمل الإتيان بغيره وتبديل بعض تراكيبه. على أنه إذا كان التبديل الذي هو تغيير كلمات منه وأغراض ممتنعا كان إبطال جميعه والإتيان بغيره أجدر بالامتناع.