كَذَّبُونِ) [المؤمنون : ٢٦] وقد أشار إلى هذا قوله تعالى عقبه : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) [يونس : ٤٧] الآية وقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)[يونس : ٤٨]. وقد أراه الله تعالى بعض الذي توعدهم بما لقوا من القحط سبع سنين بدعوته عليهم ، وبما أصابهم يوم بدر من الإهانة ، وقتل صناديدهم ، كما أشار إليه قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٠ ـ ١٦].
والدخان هو ما كانوا يرونه في سنين القحط من شبه الدخان في الأرض. والبطشة الكبرى : بطشة يوم بدر.
وتأمّل قوله : (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) وقوله : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).
ثم كف الله عنهم عذاب الدنيا إرضاء له أيضا إذ كان يود استبقاء بقيتهم ويقول : لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده.
فأما الكفر بالله فجزاؤه عذاب الآخرة.
فطوي في الكلام جمل دلت عليها الجمل المذكورة إيجازا محكما وصارت قوة الكلام هكذا : وإمّا نعجل لهم بعض العذاب فنرينك نزوله بهم ، أو نتوفينك فنؤخر عنهم العذاب بعد وفاتك ، أي لانتفاء الحكمة في تعجيله فمرجعهم إلينا ، أي مرجعهم ثابت إلينا دوما فنحن أعلم بالحكمة المقتضية نفوذ الوعيد فيهم في الوقت المناسب في الدنيا إن شئنا في حياتك أو بعدك أو في الآخرة.
وكلمة إما هي (إن) الشرطية و (ما) المؤكدة للتعليق الشرطي. وكتبت في المصحف بدون نون وبميم مشددة محاكاة لحالة النطق ، وقد أكد فعل الشرط بنون التوكيد فإنه إذا أريد توكيد فعل الشرط بالنون وتعينت زيادة (ما) بعد (إن) الشرطية فهما متلازمان عند المبرد والزجاج وصاحب «الكشاف» في تفسير قوله تعالى : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) في سورة غافر [٧٧] ، فلا يقولون : إن تكرمنّي أكرمك بنون التوكيد ولكن تقولون : إن تكرمني بدون نون التوكيد كما أنه لا يقال : إما تكرمني بدون نون التوكيد ولكن تقول : إن تكرمني. وشذ قول الأعشى :
فإما تريني ولي لمة |
|
فإنّ الحوادث أودى بها |