ذبحتم فأحسنوا الذبحة».
ومن الإحسان أن يجازي المحسن إليه المحسن على إحسانه إذ ليس الجزاء بواجب.
فإلى حقيقة الإحسان ترجع أصول وفروع آداب المعاشرة كلها في العائلة والصحبة. والعفو عن الحقوق الواجبة من الإحسان لقوله تعالى : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة آل عمران : ١٣٤]. وتقدم عند قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) في سورة الأنعام [١٥١].
وخصّ الله بالذّكر من جنس أنواع العدل والإحسان نوعا مهمّا يكثر أن يغفل الناس عنه ويتهاونوا بحقّه أو بفضله ، وهو إيتاء ذي القربى فقد تقرّر في نفوس الناس الاعتناء باجتلاب الأبعد واتّقاء شرّه ، كما تقرّر في نفوسهم الغفلة عن القريب والاطمئنان من جانبه وتعوّد التساهل في حقوقه. ولأجل ذلك كثر أن يأخذوا أموال الأيتام من مواليهم ، قال تعالى: (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) [سورة النساء : ٢] ، وقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) [سورة الإسراء : ٢٦] ، وقال : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) [سورة النساء: ١٢٧] الآية. ولأجل ذلك صرفوا معظم إحسانهم إلى الأبعدين لاجتلاب المحمدة وحسن الذّكر بين الناس. ولم يزل هذا الخلق متفشّيا في الناس حتى في الإسلام إلى الآن ولا يكترثون بالأقربين.
وقد كانوا في الجاهلية يقصدون بوصايا أموالهم أصحابهم من وجوه القوم ، ولذلك قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [سورة البقرة : ١٨٠]. فخصّ الله بالذكر من بين جنس العدل وجنس الإحسان إيتاء المال إلى ذي القربى تنبيها للمؤمنين يومئذ بأن القريب أحقّ بالإنصاف من غيره. وأحقّ بالإحسان من غيره لأنه محل الغفلة ولأن مصلحته أجدى من مصلحة أنواع كثيرة.
وهذا راجع إلى تقويم نظام العائلة والقبيلة تهيئة بنفوس الناس إلى أحكام المواريث التي شرعت فيما بعد.
وعطف الخاص على العام اهتماما به كثير في الكلام ، فإيتاء ذي القربى ذو حكمين: وجوب لبعضه ، وفضيلة لبعضه ، وذلك قبل فرض الوصية ، ثم فرض المواريث.
وذو القربى : هو صاحب القرابة ، أي من المؤتي. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) في سورة الأنعام [١٥٢].