الأمر في قوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ) ، وتأويل القرآن مع ما حفّ بذلك من السّنة فعلا وتركا.
وعلى الأقوال كلها فالاستعاذة مشروعة للشروع في القراءة أو لإرادته ، وليست مشروعة عند كلّ تلفّظ بألفاظ القرآن كالنّطق بآية أو آيات من القرآن في التعليم أو الموعظة أو شبههما ، خلافا لما يفعله بعض المتحذّقين إذا ساق آية من القرآن في غير مقام القراءة أن يقول كقوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسوق آية.
وجملة (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) الآية تعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان عند إرادة قراءة القرآن وبيان لصفة الاستعاذة.
فأما كونها تعليلا فلزيادة الحثّ على الامتثال للأمر بأن الاستعاذة تمنع تسلّط الشيطان على المستعيذ لأن الله منعه من التسلّط على الذين آمنوا المتوكّلين ، والاستعاذة منه شعبة من شعب التوكّل على الله لأن اللّجأ إليه توكّل عليه. وفي الإعلام بالعلّة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال إذ يصير عالما بالحكمة وأما كونها بيانا فلما تضمّنته من ذكر التوكّل على الله ليبيّن أن الاستعاذة إعراب عن التوكّل على الله تعالى لدفع سلطان الشيطان ليعقد المستعيذ نيّته على ذلك. وليست الاستعاذة مجرّد قول بدون استحضار نيّة العوذ بالله.
فجملة (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) صفة ثانية للموصول. وقدّم المجرور على الفعل للقصر ، أي لا يتوكّلون إلا على ربّهم. وجعل فعلها مضارعا لإفادة تجدّد التوكّل واستمراره. فنفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين : الإيمان ، والتوكّل. ومن هذا تفسير لقوله تعالى في الآية الأخرى (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [سورة الحجر : ٤٢].
والسّلطان : مصدر بوزن الغفران ، وهو التسلّط والتصرّف المكين.
فالمعنى أن الإيمان مبدأ أصيل لتوهين سلطان الشيطان في نفس المؤمن فإذا انضمّ إليه التوكّل على الله اندفع سلطان الشيطان عن المؤمن المتوكّل.
وجملة (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن مضمون الجملة قبلها يثير سؤال سائل يقول : فسلطانه على من؟.
والقصر المستفاد من (إِنَّما) قصر إضافي بقرينة المقابلة ، أي دون الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون ، فحصل به تأكيد جملة (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) لزيادة الاهتمام بتقرير مضمونها ، فلا يفهم من القصر أنه لا سلطان له على غير هذين الفريقين