وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) استثناء من عموم (مَنْ كَفَرَ) لئلا يقع حكم الشرط عليه ، أي إلا من أكرهه المشركون على الكفر ، أي على إظهاره فأظهره بالقول لكنه لم يتغير اعتقاده. وهذا فريق رخّص الله لهم ذلك كما سيأتي.
ومصحّح الاستثناء هو أن الذي قال قول الكفّار قد كفر بلفظه.
والاستدراك بقوله : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) استدراك على الاستثناء ، وهو احتراس من أن يفهم من الاستثناء أن المكره مرخّص له أن ينسلخ عن الإيمان من قلبه.
و (مَنْ شَرَحَ) معطوف ب (لكِنْ) على (مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، لأنه في معنى المنفي لوقوعه عقب الاستثناء من المثبت ، فحرف (لكِنْ) عاطف ولا عبرة بوجود الواو على التحقيق.
واختير (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) دون نحو : فقد غضب الله عليهم ، لما تدلّ عليه الجملة الاسمية من الدوام والثبات ، أي غضب لا مغفرة معه.
وتقديم الخبر المجرور على المبتدإ للاهتمام بأمرهم ، فقدّم ما يدلّ عليهم ، ولتصحيح الإتيان بالمبتدإ نكرة حين قصد بالتّنكير التعظيم ، أي غضب عظيم ، فاكتفي بالتنكير عن الصفة.
وأما تقديم (لَهُمْ) على (عَذابٌ عَظِيمٌ) فللاهتمام.
والإكراه : الإلجاء إلى فعل ما يكره فعله. وإنما يكون ذلك بفعل شيء تضيق عن تحمّله طاقة الإنسان من إيلام بالغ أو سجن أو قيد أو نحوه.
وقد رخّصت هذه الآية للمكره على إظهار الكفر أن يظهره بشيء من مظاهره التي يطلق عليها أنها كفر في عرف الناس من قول أو فعل.
وقد أجمع علماء الإسلام على الأخذ بذلك في أقوال الكفر ، فقالوا : فمن أكره على الكفر غير جارية عليه أحكام الكفر ، لأن الإكراه قرينة على أن كفره تقية ومصانعة بعد أن كان مسلما. وقد رخّص الله ذلك رفقا بعباده واعتبارا للأشياء بغاياتها ومقاصدها.
وفي الحديث : أن ذلك وقع لعمار بن ياسر ، وأنه ذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فصوّبه وقال له : «وإن عادوا لك فعد».
وأجمع على ذلك العلماء. وشذّ محمد بن الحسن فأجرى على هذا التظاهر بالكفر