والصبر : الثبات على تحمّل المكروه والمشاق ، وتقدم في قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) في سورة البقرة [٤٥].
وأكّد الخبر بحرف التوكيد وبالتوكيد اللفظي لتحقيق الوعد ، والاهتمام يدفع النقيصة عنهم في الفضل.
ويدلّ على ذلك ما في «صحيح البخاري» : أن أسماء بنت عميس ، وهي ممّن قدم من أرض الحبشة ، دخلت على حفصة فدخل عمر عليهما فقال لها : سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله منكم ، فغضبت أسماء وقالت : كلا والله ، كنتم مع النبي يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنّا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وذلك في الله ورسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ، فلما جاء النبي صلىاللهعليهوسلم بيت حفصة قالت أسماء : يا رسول الله إن عمر قال كذا وكذا ، قال : فما قلت له؟ قالت : قلت له كذا وكذا ، قال : «ليست بأحقّ بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان».
واللام في قوله : (لِلَّذِينَ هاجَرُوا) متعلّق ب «غفور» مقدّم عليه للاهتمام. وأعيد (إِنَّ رَبَّكَ) ثانيا لطول الفصل بين اسم (إِنَ) وخبرها المقترن بلام الابتداء مع إفادة التأكيد اللّفظي.
وتعريف المسند إليه الذي هو اسم (إِنَ) بطريق الإضافة دون العلمية لما يومئ إليه إضافة لفظ (ربّ) إلى ضمير النبي من كون المغفرة والرحمة لأصحابه كانت لأنهم أوذوا لأجل الله ولأجل النبي صلىاللهعليهوسلم فكان إسناد المغفرة إلى الله بعنوان كونه ربّ محمد صلىاللهعليهوسلم حاصلا بأسلوب يدلّ على الذّات العليّة وعلى الذّات المحمدية.
وهذا من أدقّ لطائف القرآن في قرن اسم النبي باسم الله بمناسبة هذا الإسناد بخصوصه.
وضمير (مِنْ بَعْدِها) عائد إلى الهجرة المستفادة من (هاجَرُوا) ، أو إلى المذكورات : من هجرة وفتنة وجهاد وصبر ، أو إلى الفتنة المأخوذة من (فُتِنُوا). وكل تلك الاحتمالات تشير إلى أن المغفرة والرحمة لهم جزاء على بعض تلك الأفعال أو كلّها.
وقرأ ابن عامر (فُتِنُوا) ـ بفتح الفاء والتاء ـ على البناء للفاعل ، وهي لغة في افتتن ،