تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [سورة آل عمران : ١٥].
والمراد ب «الذين هاجروا» المهاجرون إلى الحبشة الذين أذن لهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالهجرة للتخلّص من أذى المشركين. ولا يستقيم معنى الهجرة هنا إلا لهذه الهجرة إلى أرض الحبشة.
قال ابن إسحاق : «فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمّه أبي طالب ، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء ، قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه ، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا بدينهم» اه.
فإن الله لما ذكر الذين آمنوا وصبروا على الأذى وعذر الذين اتّقوا عذاب الفتنة بأن قالوا كلام الكفر بأفواههم ولكن قلوبهم مطمئنة بالإيمان ذكر فريقا آخر فازوا بفرار من الفتنة ، لئلا يتوهّم متوهّم أن بعدهم عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تلك الشدّة يوهن جامعة المسلمين فاستوفي ذكر فرق المسلمين كلها. وقد أومأ إلى حظّهم من الفضل بقوله : (هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) ، فسمّى عملهم هجرة.
وهذا الاسم في مصطلح القرآن يدل على مفارقة الوطن لأجل المحافظة على الدين ، كما حكي عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [سورة العنكبوت : ٢٦]. وقال في الأنصار «يحبّون من هاجر إليهم» ، أي المؤمنين الذين فارقوا مكّة.
وسمّى ما لقوه من المشركين فتنة. والفتنة : العذاب والأذى الشديد المتكرّر الذي لا يترك لمن يقع به صبرا ولا رأيا ، قال تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) [سورة الذاريات : ١٤] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [سورة البروج : ١٠]. وتقدم بيانها عند قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) في سورة البقرة [١٩١]. أي فقد نالهم الأذى في الله.
والمجاهدة : المقاومة بالجهد ، أي الطاقة.
والمراد بالمجاهدة هنا دفاعهم المشركين عن أن يردّوهم إلى الكفر.
وهاتان الآيتان مكّيتان نازلتان قبل شرع الجهاد الذي هو بمعنى قتال الكفار لنصر الدين.