المطَّلعين على الشبهات وردها ، ولذا فإنّ علماء الكلام كما بحثوا في مسألة النبوّة الخاصّة ومسألة المعاد بحثوا في مسألة الإمامة أيضاً.
وكما أنّ بعض الفرق تناقش في مسألة المعاد الجسماني ، بل في مسألة النبوّة الخاصّة ، كذلك ناقشت فرقة من المسلمين في مسألة الإمامة ، ولكن هذه البحوث ، سواء كانت في أُصول الدّين أو المذهب ، لا تخرجها عن الضروريات عند المستدلَّين عليها بالأدلَّة القاطعة ، ولو لم تقبل هذه الأدلة بعض الفرق كما ذكرنا ، فإنّ استدلال العلماء على مثل هذه الأُمور بالأدلَّة إنّما هو لدفع شبهات الفرق الأُخرى ، لا أنّها مسائل اجتهادية لم يثبت شيء منها بالنصّ الصريح أو الدليل القاطع.
وبالجملة ضروريات المذهب (أي مسألة الإمامة والعدل) ثابتة عند الشيعة بأدلَّة قاطعة وواضحة بنحو حرّم العلماء التقليد فيها ، بل قالوا بوجوب تحصيل العلم والمعرفة بها على كلّ مكلَّف لسهولة الوصول إلى معرفتها ، كما أنّهم أوجبوا العلم بأُصول الدين ولم يجوّزوا التقليد فيها ، لأنّ طريق تحصيل العلم بها سهل يتيسّر لكلّ مكلَّف.
والمتحصّل : أنّ الاعتقاديات ، سواء كانت من أُصول الدين أو أُصول المذهب ، أُمور قطعية ضرورية عند المسلمين أو عند المؤمنين ، وإنّما يكون افتراق آراء المجتهدين في غير الضروريات والمسلَّمات من الدين أو المذهب ، ويفحص في غيرهما من فروع الدين عن الدليل على ذلك ، وبما أنّ العامّي لا يتمكَّن من الفحص في مدارك الأحكام ، فتكون وظيفته التقليد فيها.
فالاجتهاد والتقليد إنّما يكون في غير الضروريات والمسلَّمات ، وأمّا الضروريات فالاستدلال فيها لغرض الردّ على الفرق التي لا تؤمن ولا تعتقد بهذه الضروريات لا يخرج ذلك عن كونه ضرورياً عند أهله ، ومسألة الإمامة عند الشيعة داخلة في ذلك كما بيّنا ، والله العالم.