فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرّ من رأى فلحقته في بعض المنازل ... فوردنا سرّ من رأى فانتهينا إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج علينا بالإذن بالدخول عليه ... قال سعد : فما شبّهت وجه مولانا أبي محمد عليهالسلام حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفى لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ... وبين يدي مولانا رمّانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد ، فسلّمنا عليه فألطف في الجواب ، وأومأ إلينا بالجلوس ...
قال سعد : فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا ـ من حلوان على ثلاثة فراسخ ـ حُمّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها ، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها ، ثم قال : تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد : فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم ـ خادم مولانا أبي محمد عليهالسلام ـ وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيّتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفعه ، فإنّه من أكرمكم محلاًّ عند سيّدكم ... (١).
التستري في قاموس الرجال قال : ... ويوضّح وضعه اشتماله على وفاة أحمد
__________________
١ ـ كمال الدين : ٤٥٤ / ٢١.