قال : « أفرأيت ثمّ (١) سدرة إذا مرّ التجّار بها استظلّوا بفيئها؟ » قال : وما علمك بذلك؟ قال : « هو عندنا في كتاب ، وأي شيء رأيت أيضاً؟ » قال : رأيت وادياً مظلماً فيه الهام والبوم (٢) لايبصر قعره ، قال : « أو تدري ما ذاك الوادي؟ » قال : لا والله ما أدري ، قال : « ذاك برهوت (٣) فيه نسمة كلّ كافر. وأين بلغت؟ » فقطع الأعرابي ، فقال : بلغت قوماً جلوساً في منازلهم ، ليس لهم طعام ولا شراب ، إلاّ ألبان أغنامهم فهي طعامهم وشرابهم.
ثمّ نظر إلى السماء فقال « اللهم العنه » فقال له جلساؤه من هو جعلنا الله فداك؟ قال : « هو قابيل ، يعذّب بحرّ الشمس وزمهرير البرد » (٤).
ثمّ جاءه رجل آخر ، فقال : « رأيت لي جعفراً » فقال الأعرابي : ومن جعفر
__________________
١ ـ ثَمَّ : بمعنى هناك وهو للتبعيد. الصحاح ٥ : ١٨٨٢ ـ ثمم.
٢ ـ الهام : طائر صغير يألف المقابر ، والبوم : ذكر الهام واحدته بومة. لسان العرب ١٢ : ٦٥٢ ـ هوم و ٦١ ـ بهم.
وقال الدميري في حياة الحيوان : البوم : بضم الباء طائر يقع على الذكر والاُنثى وأنواعها : الهامة والصدى والضوع والخفاش وغريب الليل والبومة وهذه الأسماء مشتركة تقع على كلّ طائر من طير الليل يخرج من بيته ليلاً.
وقال ذو الرمّة :
قد أعسف النازح المجهول
معسفه |
|
في ظل أخضر يدعو هامة البوم |
انظر حياة الحيوان ١ : ٢٢٦ و ٢ : ٣٨٦.
٣ ـ برهوت : واد باليمن يوضع فيه أرواح الكفّار وهو يقرب حضرموت ، وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « إنّ فيه أرواح الكفار والمنافقين » ، وروي عن الامام علي عليهالسلام أنّه قال : « أبغض بقعة في الأرض إلى الله عزّ وجلّ ، وادي برهوت بحضرموت فيه أرواح الكفار ». معجم البلدان ١ : ٤٠٥.
٤ ـ الزمهرير : البرد الشديد. لسان العرب ٤ : ٣٣٠ ـ زمهر.