قال : « يا إسحاق ليس تدرون من أين اُوتيتم؟ » فقلت : لا والله جعلت فداك إلاّ أن تخبرني ، فقال لي : « يا إسحاق إنّ الله عزّ وجلّ لم يزل متفرّداً بالوحدانية ، ابتدأ الأشياء لا من شيء ، فأجرى الماء العذب على أرض طيّبة طاهرة سبعة أيّام مع لياليها ، ثم نضب (١) الماء عنها ، فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين ـ وهي طينتنا أهل البيت ـ ثمّ قبض قبضة من أسفل ذلك الطين ـ وهي طينة شيعتنا ـ ثمّ اصطفانا لنفسه ، فلو أنّ طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم ، ولا سرق ، ولا لاط ، ولا شرب المسكر ، ولا اكتسب شيئاً ممّا ذكرت.
ولكنّ الله عزّ وجلّ أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها ، ثمّ نضب الماء عنها ، ثمّ قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حمإ مسنون (٢) ، وهي طينة خبال (٣) ، وهي طينة أعدائنا ، فلو أنّ الله عزّ وجلّ ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم في خُلُق الآدميّين ، ولم يقرّوا بالشهادتين ، ولم يصوموا ، ولم يصلّوا ، ولم يزكّوا ، ولم يحجّوا البيت ، ولم تروا أحداً منهم بحسن الخلق ، ولكنّ الله تبارك وتعالى جمع الطينتين ـ طينتكم وطينتهم ـ فخلطهما وعركهما عرك الأديم ومزجهما بالماءين.
فما رأيت من أخيك المؤمن من شرّ لفظ أو زِنا ، أو شيء ممّا ذكرت من شرب مسكر أو غيره ، فليس من جوهريّته ، ولا من إيمانه ، إنّما هو بمسحة الناصب ، اجترح هذه السيّئات التي ذكرت ، وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن
__________________
١ ـ نَضَبَ : أي غار في الأرض. الصحاح ١ : ٢٢٦ ـ نضب.
٢ ـ الحمأُ المسنون : المتغيّر المنتن. الصحاح ٥ : ٢١٣٩ ـ سنن.
٣ ـ طينة خبال : ما سال من جلود أهل النار ، وهو صديد أهل النار. لسان العرب ١١ : ١٩٨ والصحاح ٤ : ١٦٨٢ ـ خبل.