النبيّ بالاجتهاد ، فالاجتهاد أبداً لا يكون إلّا على طلب شيء ، وطلب الشيء لا يكون إلّا بدلائل ، والدلائل هي القياس. (١)
وقال أبو الحسين البصري : وجه الاستدلال به أنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) صوّبه في قوله : أجتهد رأيي عند الانتقال من الكتاب والسنّة ، فعلمنا أنّ قوله : أجتهد رأيي ، لم ينصرف إلى الحكم بالكتاب والسنّة. (٢)
يلاحظ عليه : أمّا أوّلاً : فإنّ الاستدلال بحديث معاذ فرع صحّة السند وإتقان الدلالة.
ومن سوء الحظ أنّ السند مخدوش والدلالة مثله.
أمّا السند فإنّ جميع أسانيده تنتهي إلى الحرث بن عمر بن أخي المغيرة بن شعبة ، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص. (٣)
نعم ربّما يحاول تصحيح الحديث بما ذكره الغزالي بقوله : «إنّ الأُمّة تلقّته بالقبول». ولكن خفي عليه بأنّ الاستدلال على القياس به جعله مشهوراً ، وتُصوّر أنّ الأُمّة تلقّته بالقبول ، حتّى أنّ الجوزقاني قد أورده في «الموضوعات» وقال : هذا حديث باطل ، رواه جماعة عن شعبة ، وقد تصفّحت هذا الحديث في أسانيد الكبار والصغار ، وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه ، فلم أجد له طريقاً غير هذا ... إلى أن قال : فإن قيل : إنّ الفقهاء قاطبة أوردوه واعتمدوا عليه. قيل : هذا طريقه والخلف قلّد السلف. (٤)
__________________
(١) (الرسالة : ٤٧٧ و ٥٠٥.)
(٢) (المعتمد : ٢٢٢ / ٢.)
(٣) (مسند أحمد : ٢٣٠ / ٥ ؛ سنن الدارمي : ١٧٠ ؛ سنن أبي داود : ٣٠٣ / ٣ برقم ٣٥٩٣ ؛ سنن الترمذي : ٦١٦ / ٣ برقم ١٣٢٨.)
(٤) عون المعبود شرح سنن أبي داود : ٥١٠ / ٩.