أو شموله له وهو موضع شكّ ، بل القدر المتيقّن من الحديث هو الاجتهاد المألوف في عصر النبي ، وهو بذل الجهد في فهم الكتاب والسنّة وما عليه المسلمون.
وثانياً : كان مصب القضاء غالباً هو الشبهات الموضوعية دون الحكمية ، ويمكن فصل الخصومة فيها بقاعدة العدل والإنصاف ، أو بما هو المعروف بين العرف والعقلاء ، ممّا يرضى به المتخاصمان ، وأين هو من القياس في الأحكام الشرعية؟!
وثالثاً : أنّ تجويز القياس في القضاء لا يكون دليلاً على تجويزه في الإفتاء ، لأنّ القضاء أمر لا يمكن تأخيره ، بخلاف الإفتاء ، فالاستدلال بجواز القياس في القضاء على جوازه في الإفتاء ، مبنيّ على صحّة القياس ، وهو دور واضح.
ورابعاً : أنّ القضاء منصب خطر ، إذ به تصان الدماء والأعراض والأموال ، كما به تباح النواميس والشئون الخطيرة ، فهل يمكن أن يبعث النبي رجلاً ويخوّل له النبي التصرف في مهام الأُمور ، بإعمال الرأي من دون أن يحدّده على وجه يصونه عن الخطأ ومجانبة الواقع والقائلون بحجّية القياس ذكروا لإعمالها شروطاً وموانع لم يكن معاذ يعرف معشارها ، ومعه كيف بعثه وقرر عمله بالقياس وهو غير عارف بالشروط والموانع؟! وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ المراد من الاجتهاد هو استخراج حكم الواقعة من المصدرين الكتاب والسنّة بالتأمّل فيهما ، لا إعمال الرّأي بأقسامه المختلفة الّتي ربّما لا تمس الواقع غالباً.
وهذا يكشف عن وجود خصوصية في معاذ تصدّه عن استعمال الرأي الخارج عن حدود الكتاب والسنّة ، وإلّا لما خوّله أمر القضاء من دون تحديده.
ويشهد على ما ذكرنا ما حكي من سيرة معاذ حيث إنّه لم يكن يجتهد برأيه في الأحكام وإنّما كان يتوقّف حتّى يسأل النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم).